الدكـتـور منير الغـضبان رجل السيرة وفقيهها

منير محمد الغضبان المفكر الذي أحدث بكتابه المنهج الحركي للسيرة النبوية، والعديد غيره، ثقافة جديدة في فهم السيرة النبوية، وجعلها منهجاً عملياً بحيث تستطيع الأجيال الحالية أن تشاهد سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء يواكب زمانهم وواقعهم. وصفه الشيخ البوطي بقوله: (وكلهم أجاد وأفاد، إلاّ أن "التفسير الحركي" للسيّرة النبوية الشريفة الذي أعده أستاذي وصديقي المرحوم منير الغضبان ظل شامة بارزة في علاقتي بجميع الكتب التي قرأتها، لسببين على الأقل:

1- الاعتبار والتأسي: فالسيرة ليست تاريخاً للتسلي وإنما منهاج للبناء.

2- روح السيرة وحياتها: فقد تجاوز السّرد التاريخي للأحداث إلى محاولة البحث عن "روحها" التي ينبغي أن تسري في عقول وقلوب هذه الأمة التي فقدت هويتها وجهلت تاريخها وأضاعت رسالتها وقيمها ومقوماتها ووجودها في صناعة التاريخ واستمرارها). ولم يكتف الغضبان بالفكر فقط بل كان له دور مهم فى نشر مدرسة الاعتدالفكراً وتنظيماً داخل ربوع سوريا وخارجها.

 

النشأة والتكوين

ولد منير محمد الغضبان بالتل من أعمال دمشق سنة 1942م بسوريا، كانت تعيش أسرة «الغضبان»، التي بايعت بأكملها مصطفى السباعي أول مراقب عام لجماعة الإخوان، في سوريا؛ إذ كان الشاب «طه» الابن الأكبر للأسرة من رفاق «السباعي»، ثم وضعت الأم طفلها الثاني «منير» في مارس 1942، وقضى 64 عامًا من عمره في الجماعة، حتى توفي في الأول من يونيو 2014. ثماني سنوات فقط، كانت كافية -بحسب الأسرة- ليتعرف الطفل «منير» على منهج الجماعة، ثم يبايع المراقب العام –مصطفى السباعي- في خمسينيات القرن الماضي، إلى أن أتَمَّ عامه الثاني عشر، فانتظم في إحدى أسر الإخوان التربوية، وتدرج داخل الجماعة من مسؤول أسرة، حتى تولى منصب المراقب العام باختيار التنظيم الدولي للإخوان عام 1985.

ويروي الشيخ بعض تفاصيل حياته فى كتابه "كشف المستور" فيقول: لقد كان حب المطالعة جزءاً من كياني ولاشك أن البيئة المثقفة كان لها أثر كبير فى تنمية هذه الهواية فبيتنا فيه القصص والمجلات والكتب الدينيية والتاريخية وصور الأدباء المصريين جميعاً وكانت مجلة المصور وآخر ساعة مستمرة عندنا أنهل منها السياسة أكثر من غيرها. كان هذا الخليط كله مكونات ثقافتي الأولى، ولم أغادر المرحلة الابتدائية إلا وقد زرع فى نفسي متابعة هذا الخليط. فى الصف الرابع غادر والداي إلى السعودية وصرت تحت التصرف المباشر لأخى الأكبر الذي كان يرعاني ويرعى اهتماماتى وميولي ومواهبي ويوجهها الوجهة الصالحة ويزرع الخير فى هذه الأرض المعطاء، لم أكن قد تجاوزت العاشرة والصف الخامس الابتدائي إلا وأصبحت الدعوة إلى الله ذات أثر فى نفسي وأصبحت أحمل هم دعوة رفاقي إليها. وحينما زارنا الشيخ مصطفى السباعي كنت صغيراً، وبعد أن خطب الجمعة وسلبنا الألباب، تجمهر حوله الجميع، وفى وسط الزحام رآني –حيث كان أخي الأكبر واحداً من الإخوان– فنادى عليَّ وقال لي: السلام عليكم، فقلت وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقال لي: أنت من الإخوان المسلمين؟ ومد يده وصافحني، فصافحته وأجبت: نعم أستاذ، ومر الزمن وأنا أفخر بهذا اللقاء وهذه البيعة والمصافحة، وحقيقة لقد كان أهم شخصية من العظماء أثرت في حياتي.

تكوينه العلمي والفكري

جمع الدكتور منير في تكوينه العلمي والتعليمي بين التخصص في الأدب والتربية وعلوم الشريعة، والانخراط في العمل الإسلامي؛ ففي الأدب واللغة حصل على ماجستير في اللغة العربية من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة عام 1972م ثم دكتوراه في اللغة العربية من جامعة القرآن الكريم بالسودان عام 1997م، وفي مجال العلوم الشرعية حصل على إجازة في الشريعة من جامعة دمشق عام 1967م، كما نال جائزة سلطان بروناي للسيرة النبوية عام 2000م، تقديرا لجهوده في التأليف العلمي في مجال فقه السيرة الذي صار واحدا من كبار أعلامه فقها وتأليفا، وفي المجال التربوي حصل على دبلوم عام في التربية من جامعة دمشق عام 1968م.

وظائف ومهام تقلدها

بفضل سعة تكوينه العلمي والشرعي عمقا وتنوعا، زادت تجربته قوة وغنى، واستقام منهجه الدعوي على الوسطية والاعتدال، وتقلد منير الغضبان عدة وظائف أسهم من خلالها في ترشيد العمل الإسلامي، فقد اشتغل بالتدريس للمراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية بدمشق من سنة 1962 إلى 1972م، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية ليشتغل بمنصب التوجيه التربوي بإدارة تعليم البنات بالطائف 1393–1395هـ (1973-1977م تقريبا)، وكلف بمهمة موجه العلوم الدينية برئاسة تعليم البنات 1395–1400هـ (1977-1981 تقريبا)، ثم تفرغ للعمل الدعوي في الخارج برئاسة الإفتاء بالمملكة العربية السعودية (خارج المملكة) لمدة سبع سنين من 1400-1407هـ (1982-1988 تقريبا)، كما كلف بمهمة باحث تربوي بجامعة أم القرى بمركز الدراسات الإسلامية بمكة المكرمة 1407–1420هـ. كما عمل باحثا ثقافيا في الندوة العالمية للشباب الإسلامي 1412هـ. وخلال مقامه بالسعودية استثمر خبراته التربوية والشرعية في تأليف الكتب المدرسية في رئاسة تعليم البنات في الرياض (أصول التدريس، محو الأمية، كتب الفقه والحديث والسيرة) وقد حظيت بالقبول والارتياح لمدة طويلة.

قيادة الإخوان المسلمين بسوريا

عرف ميدان الدّعوة الغضبان شيخًا في موقع الصّدارة منه، إذ شغل المواقع المتقدّمة فيه.. في فترة من أحلك ليالي المحنة فلم يبخل بعطاء، ولم يضنّ بجهد أو جهاد. انضم إلى جماعة الإخوان في فترة مبكرة من عمره في بداية الخمسينيات، حيث بايع مراقب الإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي وهو في الثامنة من عمره وانتظم في أحد أسر الإخوان في بلدة التل السورية وهو في الثانية عشرة من عمره ثم تولى مسئول أسرة ثم مسئول بلدة التل ثم مسئول شعبة ثم مسئول مكتب دمشق، ثم مساعدا لنائب المراقب العام للإخوان في سوريا ثم نائبا للمراقب العام. وكان يتولى الجانب التربوي في السيرة النبوية، وكان يعلم أعضاء الجماعة منهاج الدعوة من خلال الكتب والمحاضرات حتى أصبح المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بسوريا، عام 1985 لمدة 6 أشهر، باختيار التنظيم العالمي للإخوان المسلمين على إثر خلاف داخلي لم يدم طويلاً، واستقال من منصبه، ليخلفه محمد أديب الجاجي ثم تم اختياره عضواً في مجلس شورى التنظيم العالمي عن الإخوان في سوريا بين عامي (1986- 2010)، وتولى أيضا رئاسة مجلس شورى الجماعة، وكان مكلفا من التنظيم الدولي بمراقبة أداء الجماعة واختيار المراقب العام لها وفقا للوائح الجماعة لعدة سنوات.

مفكر السيرة النبوية

لم يسبق لغيره أن أكثر الاشتغال بفقه السيرة من حيث غزارة الإنتاج وعمقه في استنباط معالم منهج الدعوة الإسلامية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد تمكن من استيعاب السيرة فقها وتنزيلا، واستنباط معالم منهج النبي في بناء الجيل الأول سواء على مستوى التربية أو على مستوى إنتاج القيادة الراشدة، ولذلك شمل تأليفه في هذا المجال: فقه السيرة أولا (مجلد واحد)، ومنهج التربية النبوية (أجزاء)، والتربية القيادية، والمنهج الحركي للسيرة النبوية (ثلاثة أجزاء). وقد عكست هذه الكتب عمق الفهم لدى الرجل وجلت موهبته في استنباط منهج التربية والبناء وإعادة بعث الأمة وفق أسس شرعية هي التي استمدها بقوة ذكائه وموهبته وإخلاصه، وكانت هذه الكتب زادا علميا وتربويا غطى خصاصا كبيرا في الحقل الدعوى والعمل الإسلامي المعاصر وصارت كتبه مقررات دراسية وتربوية لدى مختلف العاملين في مدرسة الاعتدال شرقا وغربا.

إبداعاته الفكرية

كان الدكتور منير الغضبان ذا قدرة كبيرة على التأليف، وذا أفق واسع وتعدد في التخصصات والانشغالات، فقد كتب في السيرة والتربية وفي سير الأعلام والفكر والتيارات والمذاهب، وعلى كثرة وتنوع ما كتب فقد كان هناك خيط ناظم يجمع ذلك كله هو رؤيته للواقع والتاريخ وما ينبغي أن تكون عليه حركة الأمة، فكل ما كتبه كان في سياق تحليل واقع الأمة وترشيدها لارتياد ما هو مطلوب منها ارتياده من المواقع، ومن أبرز المجالات التي كتب فيها: 

أولا سير الأعلام:

1 – أبو ذر الغفاري- الزاهد المجاهد، طُبع في دمشق، 1970م، ثمّ عمان.

2 – معاوية بن أبي سفيان الصحابي المجاهد، دمشق، 1977. 

3 – هند بنت عتبة، 1978، الرياض، ثمّ عمان.

4 – المغيرة بن شعبة الوالي المجاهد.

5 – عمرو بن العاص (الأمير المجاهد).

6 – سيد قطب ضد العنف.

 

ثانيا في السيرة وفقه الدعوة والحركة:

7 – المنهج الحركي للسيرة النبوية.

8 – المنهج التربوي للسيرة النبوية (11 مجلدا) ويضم:

9 – التربية الجهادية 3 مجلدات.

10 – التربية القيادية 4 مجلدات.

11 - التربية الجماعية مجلدان.

12 – التربية السياسية مجلدان.

13 – المنهج الإعلامي للسيرة النبوية (الشعر في عهد النبوة) في مجلدين.

14– فقه السيرة النبوية (مقرر مادة السيرة النبوية في جامعة أم القرى وجامعات عربية وإسلامية).

15– التراتيب الإدارية في نظام الحكومة النبوية للشيخ عبد الحي الكتاني المغربي (تهذيب وتقريب).

16– فقه التمكين في السيرة النبوية.

17– أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية.

18– الأربعين في سيرة سيد المرسلين (بالاشتراك مع آخرين).

 

ثالثا في مدرسه الاعتدال المعاصرة:

19 – الحركة الإسلاميّة في سوريا، في ثلاث مجلدات.

20 -المسيرة الإسلامية للتاريخ، 1981، الرياض، ثمّ عمان.

 

رابعا في الفكر والمذاهب والتاريخ:

21– الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام، 1981، الرياض، ثمّ عمان.

22– تاريخ سوريا حتّى اليوم.

23– سوريا في قرن.

24– التحالف السياسي في الإسلام، 1983، عمّان، ثمّ القاهرة.

25– نحن والغرب على ضوء السنن الربانية (العراق وأمريكا نموذجا).

 

خامسا في التربية:

26– أصول تدريس التربية الإسلامية (كتاب مقرر بمعهد المعلمات بالسعودية) (مع آخرين) 1977.

27– من معين التربية الإسلامية، الرياض، 1976، ثمّ عمان.

28– طرق تدريس المواد الدينية واللغة العربية (للصف الثالث بدار المعلمات) (بالاشتراك مع آخرين).

29– التربية السياسية للطفل المسلم.

30– إليك أيها الفتى المسلم.

 

سادسا في قضايا المرأة المسلمة:

31– الأخوات المؤمنات- الرياض 1967، ثمّ عمان.

32– إليك أيّتها الفتاة المسلمة، 1977، الرياض، ثمّ عمان.

 

سابعا في الدراسات الأدبية:

33– الشعر في العهد النبوي (في مجلدين).

إضافة إلى دراسات عديدة متنوّعة ومحاضرات في كثير من المؤتمرات العلمية والإسلامية بالعالم، ومعظم مقالاته بمجلة المجتمع ومجلة حضارة الإسلام الدمشقيّة، وفي غير ذلك من المواقع الإلكترونية.

وفاته

ودعت الأمة الإسلامية يوم الأحد 3 شعبان 1435هـ، الموافق 1 يونيو 2014م، الداعية وفقيه السيرة النبوية المتميز الدكتور منير محمد الغضبان عن سن يناهز 72 سنة، ورحل وقد أدى رسالته في حدود ما وفقه الله تعالى، مما يعز بذله في هذا الزمان.