أمجد الزهاوي.. شيخ العراق

الشيخ أمجد الزهاوي أحد كبار العلماء السنة، وأحد مؤسسي حركة الإخوان المسلمين في العراق، وأحد الشخصيات ذات الثقل الديني والسياسي في المجتمع العراقي، شبهه الشيخ حسن البنا بالصحابة، وشبهه المرجع الشيعي "محسن الحكيم" بأنه "أبو حنيفة العصر"، كان الزهاوي يمتلئ علما واعتزازا بدينه، وشجاعة نادرة في قول الحق والتمسك به، فكان لا يهاب أحدا، ولا يخشى سلطة، مع علم واسع، وقدرة على النظر، وإيمان بوحدة الأمة الإسلامية، وضرورة تحررها.. قضى عمره كله بين الدراسة، والتدريس، والإفتاء والقضاء، والدعوة إلى الإسلام ونصرة قضاياه.

النسل الخالدي

ولد أمجد الزهاوي عام (1300ه- 1883م) في العراق، وينتسب لأسرة "آل بابان" (1)، فجده "سليمان باشا" منشئ مدينة السيلمانية بالعراق، وترجع جذور انتسابه إلى بني مخزوم التي منها الصحابي الجليل خالد بن الوليد. نشأ أمجد نشأة دينية وعلمية، فكان أبوه "محمد سعيد الزهاوي" مفتيا لبغداد، وجده "محمد فيضي" مفتيا أيضا، فدرس على أبيه وجده، كما درس على أعلام العراقيين وفقهائهم، ومن شيوخه العلامة محمود شكري الآلوسي، وكان أديبا مؤرخا، والشيخ قاسم القيسي، والشيخ عبد الرحمن القره داغي.

كان أمجد يتقن اللغات: العربية والكردية والتركية والفارسية، وبعد تلقيه قسطا من التعليم في بغداد، انتقل للدراسة في اسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية، وقد زامل في رحلة الدراسة "نوري السعيد" الذي أصبح أهم السياسيين العراقيين في العصر الحديث، إلا أن أمجد التحق بمعهد القضاء العالي وتخرج فيه عام 1906. وبعد عودته إلى العراق شغل عدة وظائف متنوعة في الإفتاء والتدريس والقضاء، فعين مفتيا في الأحساء، ثم قاضيا، ثم أستاذا بكلية الحقوق ببغداد، وتولى رئاسة مجلس التمييز الشرعي في العام 1933، ووافق أن يتولى رئاسته بعد أن اشترط على رئيس الوزراء ألا تتدخل الحكومة في فتاواه وأحكامه، وكان في الوقت نفسه يدرس في المدرسة السليمانية في بغداد، وعندما صدر أمر وزاري بعدم جواز الجمع بين مجلس التمييز الشرعي والتدريس، استقال من المجلس، وآثر عليه البقاء في التدريس، ثم عمل بالمحاماة فترة، وترافع مدافعًا عن الشيخ ضاري الزوبعي (2) قاتل الكولونيل الإنجليزي لجمن، وتفرغ أمجد للعمل الدعوي السياسي منذ العام 1946.

دوره في الجمعيات

كان الشيخ أمجد وافر النشاط والحماس، ويعتبر العمل للإسلام قضيته التي أعطاها كل اهتمامه، لذا ساهم في تأسيس عدد من الجمعيات ذات الأدوار الاجتماعية والدينية والثقافية، منها جمعية التربية الإسلامية، وجمعية الأخوة الإسلامية، حيث رأى الشيخ محمد محمود الصواف أن حركة الإخوان المسلمين في العراق تحتاج إلى رخصة مزاولة نشاط، وأن الشيخ أمجد شخصية ممكن أن تعطي ثقلا للحركة، لذا تواصل مع الشيخ أمجد وأقنعه بتشكيل الجمعية ورئاستها، ووافق الشيخ أمجد، مستثمرا علاقته بنوري السعيد رئيس الوزراء للحصول على ترخيص للجمعية في العام 1949م.

كما ساهم في تأسيس جمعية رابطة العلماء في العراق، وجمعية إنقاذ فلسطين، واللجنة العليا لنصرة الجزائر، ورأس وشارك في عدد من المؤتمرات مثل مؤتمر العالم الإسلامي المنعقد في باكستان (1953م)، ومؤتمر العالم الإسلامي المنعقد في القدس (1954م).

كانت قضية فلسطين والجزائر من أهم القضايا التي شغلت اهتمامه ونشاطاته، فكان مقر جمعية "الأخوة الإسلامية" شعلة نشاط لجمع التبرعات للفلسطينيين، وتعريف المجتمع العراقي بأخطار المشروع الصهيوني، فحضر جميع المؤتمرات التي عقدت من أجل فلسطين في القاهرة ودمشق والقدس، ولازم أول فوج من مجاهدي العراق إلى فلسطين عام 1948، وزار الخطوط الأمامية بنفسه ضمن قوات جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي، وعاش المأساة على أرض الواقع، وناصر القضية الجزائرية ضد بشاعات الاحتلال الفرنسي، وتعرف على رموز العمل النضالي في الجزائر خاصة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وكانت تربطه بالشيخ محمد عبد الكريم الخطابي قائد ثورة الريف في المغرب علاقات وطيدة.

كان الشيخ أمجد جريئا في قول الحق، حتى وإن كان وحيدا، فعندما وقع انقلاب (14 تموز 1958م) في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم، وتم تصفية العائلة الملكية بطريقة بشعة، وتم التمثيل بجثثهم، انتشر الرعب وسط الناس، إلا أن الشيخ أمجد صلى عليهم صلاة الجنازة، خوفا من أن يأثم، وكان موقفا شجاعا، ولم يكتف بذلك بل ذهب في وفد من العلماء إلى عبد الكريم قاسم، محذرا من تنامي نفوذ الشيوعيين داخل العراق. ويحكي الدكتور طه العلواني، الذي حضر اللقاء، أن الشيخ أمجد تحدث ثلاث ساعات مع عبد الكريم قاسم، وأكد له أنه يجب ألا يخشى من العلماء، لأنهم لا يملكون إلا ألسنتهم ورأيهم، ولكن يجب أن يخشى من الضباط الذين حوله اليوم، والذين قد يكونون ضده غدا، فانبهر بشجاعته قاسم وأصر أن يتناول معه الغداء، فأبى الشيخ أمجد، رغم توضيحه أن هذا الطعام ليس من مال الدولة ولكن من مرتبه كضابط. ومع تطور الأحداث في العراق، والصراع بين عبد الكريم قاسم وأعدائه، اضطر أمجد الزهاوي لمغادرة العراق 1959م لفترة قصيرة ثم ما لبث أن عاد إليه، بعدما استشعر أن مهمة العالم الرباني تكون في قلب المعركة وليس بعيدا عنها، حيث كان الصراع شديدا على هوية العراق في ظل تنامي التيارات الشيوعية والبعثية التي تعادي الإسلام بشراسة.

جهوده الفكرية

كان أمجد الزهاوي من كبار مفتي المذهب الحنفي في عصره، وكان على علم واسع بالمذاهب الأخرى، ويفتي بها عند الضرورة، خاصة المذهب الشافعي الذي كان ينتشر في العراق بجوار المذهب الحنفي، ورغم غزارة العلوم التي كان يُلم بها الزهاوي فإن جهوده في التأليف لم تثمر إلا كتابين، هما:

- "الوصايا والفرائض" وهو كتاب في فقه الأحوال الشخصية، نشر ببغداد عام 1925م، في أثناء تدريسه بالجامعة.

- "الفتاوى الزهاوية" وهو مجموع فتاواه التي كان يجيب عنها عبر مجلة التربية الإسلامية خلال الفترة من 1959م وحتى 1967م، مرتبة ومبوبة على أبواب الفقه، وقد جمعها حسن العاني، ونشرتها مطبعة العاني، ببغداد 1986م.

واهتم بوحدة المكونات التي يتشكل منها المجتمع العراقي، فكان منفتحا على شيعة العراق، محاولا بناء موقف موحد ضد الاحتلال والاستبداد، كما كان يولي اهتماما خاصا بالتعليم والتربية ويراها المهمة الأساسية للعلماء، وكان يدعو إخوانه ومريديه أن يهتموا بهذه المهمة الشريفة.

وفي يوم الجمعة (17 من نوفمبر 1967م= 14 من شعبان 1387هـ) توفي الشيخ أمجد الزهاوي ودُفِن بمقبرة الخيزران قرب مقبرة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان في حي الأعظمية في بغداد.

 

قالوا عن الشيخ أمجد الزهاوي

 

وصفه الشيخ حسن البنا عندما التقاه بأنه أشبه الناس بالصحابة، وقال عنه لصهره الدكتور محمد سعيد رمضان "إذا أردت أن تنظر إلى وجه رجل من صحابة رسول الله فانظر إلى وجه الشيخ أمجد الزهاوي، واستمع إلى حديثه، فإنه يحرك سواكن النفوس، ويبعث الهمة فيها، ويدفعها نحو الخير حيثما وجد، وحيثما كان".

- وكتب الشيخ علي الطنطاوي عن الشيخ الزهاوي يقول: "الشيخ أمجد كان بركة العصر، وإني لا أعرف من العلماء مثله، واستفدت من صحبته فوائد كثيرة في خلقي وتفكيري. كان الشيخ أمجد كنزاً مخبوءاً فكشفه الصواف كان كتاباً عظيماً مخطوطاً لا يعرفه الناس، فطبعه ونشره الصواف وعرف به الناس. المال لا يبالي به، والجاه لا يلتفت إليه، وطالما دخلنا على ملوك وأمراء فكانوا يقدمونه ويمدحونه فلا يستهويه المدح ولا يؤثر فيه التقديم...".

- أما الشيخ قاسم القيسي، وكان مفتيا للعراق ومن شيوخ الزهاوي نفسه فخاطبه مرة قائلا: "يا شيخ أمجد، كنت تركت لك الفقه والأصول، وسلمت إليك القيادة فيهما، ولم أكن أظن أنه يمكنك أن تناقشني في علوم العربية والبلاغة، ولكنني الآن مضطر لأن أسلم لك بهذه المهمة أيضاً، فأنت يا أمجد شيخي وشيخ العراقيين جميعاً في المنقول والمعقول وفي سائر العلوم، ولن أجادلك بعد اليوم، ولكن أستفتيك".

- وصفه المرجع الشيعي الكبير في الستينيات من القرن الماضي آية الله السيد محسن الحكيم وكان على صلة به فقال عنه: "إنه أبو حنيفة العصر، وإن فقه أبي حنيفة وأصوله، لو ضاعا لأملاهما الزهاوي عن ظهر قلب".