كان بين الحسن البصري ومحمد بن سيرين شيء من الجفاء
وكان إذا ذُكر ابن سيرين عند الحسن يقول:
دعونا من ذكر الحاكة!
وقصده أن أغلب أهل ابن سيرين يعملون في حياكة الثياب! ثم إن الحسن رأى في منامه كأنه عريان،
وهو قائم على مزبلة يضرب بالعود!
فأصبح مهمومًا من رؤياه هذه، فأرسل أحد أصحابه إلى ابن سيرين ليقص عليه الرؤيا على أنها رؤياه،
ولكن ابن سيرين كان أذكى من أن تنطلي عليه المسألة، فقال لمن جاءه:
قل لصاحب الرؤيا لا تسأل عنها ابن الحاكة!
ولما وصل الخبر إلى الحسن مضى إلى ابن سيرين في مجلسه، فلما رآه ابن سيرين قام إليه فتعانقا،
ثم جلسا فتعاتبا، ثم قال له الحسن، دعكَ من هذا يا أبا بكر، حدثني عن الرؤيا فقد شغلتْ قلبي!
فقال له ابن سيرين:
لا تشغل قلبك، فإن العري عري من الدنيا فلستَ من طلابها، وأما المزبلة فهي الدنيا وأنتَ تراها على حقيقتها،
وأما العود فإنها الحكمة تُحدث بها الناس!
فقال الحسن: فكيفَ عرفتَ أني صاحب الرؤيا؟
فقال ابن سيرين: لا أعرف أصلح منك أن يكون رآها!
التنافس بين الأقران لا يكاد ينجو منه أحد، وإلا لنجا منه الحسن وابن سيرين!
فالرجلان على تقواهما وصلاحهما كان بينهما شيء من الجفاء،
ولكن شأن النبلاء إذا هم تنافسوا ألا ينسى بعضهم حسنات بعض، ولا يجحد ميزاته، وما أرسل الحسن رسولاً إلى ابن سيرين لتعبير رؤياه إلا لأنه يعرف علمه وبراعته في هذا المجال، وما علم ابن سيرين أن الحسن صاحب الرؤيا إلا لأنه يعرف تقوى الحسن وصلاح دينه، فإياك إن حصل التنافس أن تقتدي بإبليس يوم قال: "أنا خير منه"
بل اقتدِ بموسى عليه السلام يوم قال: "وأخي هارون هو أفصح مني لسانًا"!
وإن شأن النبلاء كذلك أن يغتنموا أقل حدث لتسوية الأمور، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل،
وما أنبل الحسن إذ يُراجع نفسه، ويذهب إلى ابن سيرين في مجلسه، وما أنبل ابن سيرين إذ يقوم إلى الحسن فيعتنقه!
لا تأخذك العزة بالإثم، اغتنم الفرص وبادر، فأحيانًا تمضي سنوات من الجفاء لأننا فوتنا فرصة كان بالإمكان أن نُصلح من خلالها الأمور، وإن سبقكَ غيرك بالمبادرة فلا تكن شرَّ الرجلين، ومن مشى تجاهك خطوة امشِ تجاهه خطوتين،
الإباء ليس هذا موضعه، هذا موضع "والله يحب المحسنين" وموضع "وأصلحوا ذات بينكم" وموضع "من تواضع لله رفعه" وموضع "من ذلّ لله عزَّ"!
نحن نهاية المطاف بشر، فينا نزوات وطباع إنسانية لا نستطيع أن نخرج منها، ولكن الحل لم يكن يومًا أن نستسلم لها لأنها كامنة فينا، وإنما الحل في أن نسيطر عليها بدل أن تسيطر علينا، ونقودها بدل أن تقودنا،
فإن النفس البشرية فرس جامحة، فهنيئًا لمن روّض نفسه! منقول