الشيخ الكبير محمد رشيد رضا قال:
إن الخديوى إسماعيل استدعى رفاعة الطهطاوى وخاطبه:
"يا رفاعة، أنت أزهرى تعلمت فى الأزهر وتربيت به، وأنت أعرف الناس بعلمائه، وأقدرهم على إقناعهم بما ندبناك له..
إن الفرنجة قد صارت لهم حقوق ومعاملات كثيرة فى هذه البلاد، وتحدث بينهم وبين الأهالى قضايا،
وقد شكا الكثيرون إلىّ أنهم لا يعلمون أيحكم لهم أم عليهم فى هذه القضايا؟
ولا يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم..
لأن كتب الفقه التى يحكم بها علماؤنا معقدة وكثيرة الخلاف،
فاطلب من علماء الأزهر أن يضعوا كتاباً فى الأحكام المدنية الشرعية
تشبه كتب القانون فى تفصيل المواد واطراح الخلاف،
حتى لا تضطرب أحكام القضاة،
فإن لم يفعلوا وجدتنى مضطراً للعمل بقانون "نابليون" الفرنسى!!"
(فى كتاب تاريخ المحاكم المختلطة والأهلية للأستاذ عزيز خانكى،
وتسمى الآن المحاكم الوطنية، والنقل عن مجلة "المسلم")
قال رفاعة الطهطاوى، مجيباً الخديوى: يا أفندينا: إنى سافرت إلى أوروبا، وتعلمت فيها،
وخدمت الحكومة، وترجمت كثيراً من الكتب الفرنسية، وقد شخت، وبلغت إلى هذه السن،
ولم يطعن فى دينى أحد، فإذا اقترحت الآن هذا الاقتراح بأمر منكم طعن علماء الأزهر فى دينى،
وأخشى أن يقولوا: إن الشيخ رفاعة ارتد عن الإسلام آخر عمره؛
إذ يريد تغيير كتب الشريعة وجعلها مثل كتب القوانين الوضعية..
فأرجو أن يعفينى أفندينا من تعريض نفسى لهذا الاتهام؛ لئلا يقال: مات كافراً. فلما يئس الخديوى..
أمر بالعمل بالقوانين الفرنسية..
والقصة المحزنة تحكي فساد الأمراء والعلماء جميعاً،
وتكشف أن ما أصاب المسلمين من شتات وخزى ليس بلاء يؤجرون عليه،
ولكنه عقاب يستحقونه "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون".
---------------------------------------
المصدر: كتاب قذائف الحق للغزالى