الشيخ توفيق البتشتي عُرف عنه أنه يرفع راية الحق لا يخشى حاكمًا، ولا يتملق سلطانًا، فحين وقعت الحرب بين مصر والحبشة، في عهد الخديوي إسماعيل، وتوالت الهزائم، وضاق صدر الخديوي، فقال له شريف باشا رئيس النظار: إذا لجأت إلي علماء الأزهر الأطهار وقرأوا البخاري يفرج الله الكرب وينتصر الجيش، فكلم الخديوي الشيخ العروسي، شيخ الأزهر، فجمع له من العلماء الصالحين، وأخذوا يتلون البخاري أمام القبلة القديمة في الأزهر، ولكن أخبار الهزائم ظلت تتوالى وانتصارات العدو تتعاظم، فرجع الخديوي إلي العلماء واتهمهم بأن ما قرأوه إما ليس صحيح البخاري، أو إنهم ليسوا على مستوى سلفهم الصالح، فسكت العلماء وصرخ البتشتي من آخر الصف ‘‘هُزمنا منك يا إسماعيل، فإنا روينا عن النبي (ص) إنه قال: لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم’’.

أطرق الخديوي، وانصرف ومعه شريف باشا، ثم رجع أحد مماليكه يطلب الشيخ المتحدث واصطحبه معه إلي القصر، وطلب منه الخديوي أن يعيد ما قاله، فأعاد الشيخ حديثه وشرحه، فتساءل الخديوي: ماذا صنعنا حتى ينزل بنا البلاء؟ فأجابه الشيخ بأن قوانينه تبيح الزنا وترخّصه وكذلك الخمر، فبرر الخديوي بأن تلك العادات نُقلت لهم من الإنجليز، فرد الشيخ ‘‘إذن لا ذنب للبخاري وعلماء الأزهر’’، فصمت الخديوي وصدّق على كلامه وكافأه على جرأته.

في عام 1908، تقدم الشيخ للجنة مكونة من ستة من كبار العلماء، برئاسة شيخ الأزهر، لامتحان شهادة العالمية، وكان من بين أعضاء اللجنة عالم بينه وبين الشيخ، الطالب آنذاك، خصومة، فأخذ يوجه له الأسئلة بعنف، ولم يترك فرصة لغيره من الأعضاء كي يختبروه، وظهر أنه يتحداه، واستمرت المناقشة ثلاثة أيام كاملة، كانت كأنها مناظرة بين عالمين، ولما نجح في الامتحان سار به أهل القرية بالتهليل والتكبير حتى منزله، وعُيّن بعد نجاحه وحصوله على درجة العالمية مدرسًا بالأزهر.

انتخب عضوا في مجلس النواب عام 1924، بعد أن دعته كبار العائلات في دائرته للترشح، وبعد سبعة أشهر، حُلّ المجلس على إثر مقتل السير لي ستاك، وفي سنة 1926، أُجريت انتخابات أخرى، فتقدم لها ونجح، لكن المجلس لم تمهله حكومة زيور باشا يومًا واحدًا، وصدر قرار حلّه في يوم انعقاده، ولم يتقدم الشيخ البتشتي للانتخابات مرة أخرى.

تم اختياره مفتشًا عامًا للعلوم الدينية والعربية، على مستوى الجمهورية، عام 1925، فزار كل المعاهد الدينية آنذاك، واستمر في ذلك الموقع حتى عام 1936، حيث اختير أستاذًا بكلية أصول الدين، وفي 1938 صدر قرار الشيخ محمد مصطفي المراغي، شيخ الأزهر، بإنشاء أول معهد ديني في محافظة قنا، وتعيين البتشتي شيخًا للمعهد، وكان هذا المعهد ثاني المعاهد الأزهرية على مستوى الصعيد، وبعد ذلك بفترة قصيرة، أصابه المرض، ووافته المنية عام 1939، ودُفن في روضة البساتين في القاهرة.

---------------------

المصدر: موقع المندرة أونلاين