بطاقة الكتاب

الكتاب: الإسلام وأوضاعنا السياسية

المؤلف: عبد القادر عودة

 الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان عام النشر: 1401 هـ - 1981 م

عدد الصفحات:- 228

تمهيد

ظلَّت -وستظل- قضية «الحُكم في الإسلام» موطن جدل ونقاش عهودًا طويلة، ودأب الكثير من المفكرين على تناول هذه القضية من وجهات نظر محتلفة ومتعددة، ولكن سيظل تناول الشهيد عبدالقادر عودة في كتابه هذا «الإسلام وأوضاعنا السياسية» مميزًا؛ فهو يؤصِّل ويُنَظِّر لأحد أهم الأفكار التي طُرِحَت من قِبَل الحركة الإسلامية المعاصرة، فيضع التصورات الحديثة لها، استنادًا إلى الموروث الفقهي والتراث النظري حول نظرية الإسلام في الحكم، وانطلاقًا من فكرة الإخوان المسلمين الأساسية في الربط الصريح والمباشر بين الدين والسياسة.

وكان منطلق الجانب السياسي المسيطر على الكتاب هو السؤال المحوري وهو: لمَن الحُكْم؟ وماهى آليات هذا الحكم وفقًا لمن يملك الحكم وهو الله عز وجل؟.

حول الكاتب

الشهيد عبد القادر عودة، محام مصري وفقيه دستوري شارك في لجنة وضع الدستور 1954، ووكيل جمعيّة الإخوان المسلمين بداية من سنة 1951 التي تولّى فيها قيادة الإخوان مرشد عام جديد خلف حسن البنا هو حسن إسماعيل الهضيبي.

قام عودة بدور أساسي في التنظير والتأصيل لأفكار الإخوان واضطلع بعدّة أعمال سياسيّة ضمن الجمعيّة، وكان شرع في دراسة الشريعة الإسلاميّة سنة 1944 من أجل مقارنتها بالقانون الوضع، وقد ألّف عدّة مؤلّفات أهمّها "الإسلام وأوضاعنا السياسيّة"، و"الإسلام وأوضاعنا القانونيّة" (1951)، و"المال والحكم في الإسلام" (1951)، و"الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه" (ط 2، 1951)، و"التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي" (الجزء الأوّل، ط2، 1952، الجزء الثاني ط1، 1960).

أعدم الشهيد عودة ضمن مجموعة من زعماء الإخوان إثر محاولة اغتيال عبد الناصر التي ألقى نظام عبد الناصر حينها تبعتها على الإخوان، وقد كان ذلك يوم 9 ديسمبر 1954.

أهمية الكتاب

كتاب "الإسلام وأوضاعنا السياسيّة" لعبد القادر عودة، صدر لأوّل مرّة سنة 1951، ويمثل الكتاب أهمية خاصة للحركة الإسلامية الحديثة نظرًا لعدة عوامل من أهمها:

- الكتاب يمثّل محاولة جادّة في التنظير السياسي لأفكار مدرسة الاعتدال.

- وهو محاولة مبكّرة (الطبعة الأولى، 1951) أتت لتسدّ نقصًا واضحا في كتابات الشهيد حسن البنّا، يتمثّل في ضبابيّة التصوّر الخاصّ بأجهزة الدّولة في منظور الدولة الإسلامية. 

- كان صدوره في بداية المرحلة الثانية التي عاشها الإخوان المسلمون عقب استشهاد البنا وتحت قيادة الهضيبي، وهو ما يمكن أن نطلق عليه بدايات المشروع الفكري التنظيري للإخوان المسلمين والذى كان الشهيد عودة من أوائل مؤسسيه واستمر على نهجه بعد ذلك رموز الفكر والتنظير في مدرسة الاعتدال كالشهيد سيد قطب، والغنوشى، والراشد وغيرهم.

- صاحبُ الكتاب يعتبر من بين الشخصيّات الثّلاث التي كان لها دور فعّال في حياة جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب حسن البنّا وسيّد قطب، وقد أدّى دور المفكّر الذي يقوم بعمليّة التأصيل والمواجهة الفكرية؛ فقد كان يرد كلّ فكرة تتبنّاها الجماعة إلى أصولها الدينيّة مبيّنا لها وشارحا إيّاها في تفصيل وافٍ.

الهدف من الكتاب 

يوضح الشهيد عبدالقادر عودة هدفه من الكتاب في مقدمته فيقول: لقد ظل المسلمون ينحرفون عن الإسلام حتى هجروا أحكامه، ثم اتخذوا لأنفسهم أحكامًا تقوم على أهوائهم ومنافعهم، فأدى ذلك إلى التحلل والفساد، وملأ بلادهم بالشرور والآثام وعاد على جماعتهم بالبؤس والشقاء.

ويبين أن المسلمين اليوم أحوج ما يكونون إلى معرفة حقائق الإسلام وقد تكالب عليهم الاستعمار والشيوعية، وَزُيِّنَتْ لهم الديمقراطية والاشتراكية، ليعلموا أن لا عاصم لهم من الاستعمار والشيوعية إلا الإسلام، وأنه لا يحقق العدالة والمساواة والحرية في بلادهم إلا الإسلام.

وواجب على كل مسلم مستطيع أن يُبَيِّنَ للمسلمين ما خفي عليهم من أحكام الإسلام، وأن يعرضه عليهم في لغة سهلة يهضمونها، وفي أسلوب عصري يقبلون عليه(1).

الإطار العام للكتاب

يشتمل هذا الكتاب على مقدّمة وثمانية عشر فصلًا، تندرج كلّها في إطار التفكير في قضيّة الحكم وما يتعلق بها من قضايا مثل الحكومة والخليفة والشورى وغيرها من آليات الحكم.

وفي المقدّمة، يفصح عودة أن المقصد من الكتاب بيان نظريّة الإسلام في الحكم التي تفضل كلّ النظريّات في العالم.  

ويحاول عودة أن يمهد لكتابه بسؤال حول (لمن الحكم؟) ويرى أن جواب السؤال واضح ولا تصعب الإجابة عليه بعد أن علمنا أن الله هو خالق الكون ومالكه, وأنه استعمر البشر واستخلفهم في الأرض, وأمرهم أن يتبعوا هداه, وأن لا يستجيبوا لغيره, فكل ذي منطق سليم لا يستطيع أن يقول بعد أن علم هذا إلا أن (الحكم لله), وأنه جل شأنه هو الحاكم في هذا الكون ما دام هو خالقه ومالكه, وأن على البشر أن يتحاكموا إلى ما أنزل ويحكموا به, لأنهم خلفاء لله في الأرض قد استخلفوا استخلافا مقيدا باتباع هدى الله, وليس للخليفة أن يخرج على أمر من استخلفه.

وقد جاءت نصوص القرآن مؤيدة لهذا المنطق البشري السليم, فهي تلزم البشر باتباع ما جاء من عند الله, وتحرم عليهم تحريما قاطعا اتباع ما يحالفه "اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين" الأنعام:106 (2).

وحاول عودة أن يبين أنّ الحكم من طبيعة الإسلام بل إنّه دعامته، لأنّ الإسلام يمزج بين العقيدة والنظام وبين الدين والدّولة، وهي الدّولة المحددة على منوال الفقهاء القدامى مع اختلاف في أمور جزئيّة. وفى هذا الإطار يؤكد رؤية مدرسة الاعتدال حول أن الإسلام دين ودولة، لذلك يكرّس ستّة فصول للحديث عن الخلافة بمنظور فقهي وشرعي لا منظور تاريخي، وفي هذا يقرر مبادئ إسلامية وفقا للشريعة الإسلامية بعيدًا عن بعض الممارسات التي قد لا تتوافق بل ربما تتناقض مع تلك المبادئ.  

ويؤكد عودة على أن الدّولة الإسلاميّة تديرها حكومة إسلاميّة من الواجب أن توجد لإقامة أمر الله: أمر الدين وأمر الدّنيا، وإنّ لهذه الحكومة ثلاث صفات، فهي حكومة قرآنيّة وحكومة شورى وحكومة خلافة أو إمامة.

وعلى الرّغم من تركيز أغلب الفصول على هرم السلطة السياسيّة دون القاعدة (الإمامة العظمى والحكومة)، فإنّ عودة قد خصّص ثلاثة فصول في آخر الكتاب للتطرّق إلى حقوق الأفراد في الإسلام ووحدة الأمّة الإسلاميّة.

وفي هذا السياق، رفض عودة في كتابه "الإسلام وأوضاعنا السياسيّة" بعض المفاهيم القادمة من الغرب فركز على نقد مفاهيم مثل الديمقراطيّة والشيوعيّة، فرفض الحكومة النيابيّة، واعتبر أنّ بين نظامي الحكم الديمقراطي والإسلامي نقاط شبه تتمثّل في وجوب اختيار الحكّام بمعرفة ممثّلي الأمّة وقيام الحكم على العدل والمساواة وتطبيق حريّة العقول والأفكار، ولكنّه لاحظ أنّ نظام الحكم الإسلامي يختلف عن الديمقراطيّة في أنّه يقيّد الحاكمين والمحكومين بقيود تمنعهم من الانطلاق وراء الأهواء وتحول بينهم وبين الخضوع للشهوات ويلزمهم بإطار ديني وشرعي يجب عليهم الالتزام به، بعيدًا عن الديمقراطية التي لا تحد حدودها ولا تقيدها قيود.