عراقي، درس في الأزهر بمصر، وقضى شطرا من حياته في معاهد التعليم في السعودية، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة ليقضي بها خمسة وعشرين عاما، جمع بين معارف وثقافات متنوعة، فهو عميق التكوين في العلوم الشرعية، متبحر في الثقافة الغربية بمدارسها ومناهجها، خاض غمار السياسة، وعلى دراية بأفكارها، وأحزابها، وصراعاتها، كان نقده جريئا وشجاعا لكثير من المسلَّمات والنظريات المستقرة في الفقه وأصوله، غير أن القرآن الكريم كان نقطة الارتكاز الكبرى في مشروعه الفكري.
ولد طه العلواني في مدينة الفلوجة العراقية عام 1935، لوالد ميسور يعمل في تجارة الحبوب، وتلقى تعليما دينيا، وكانت بداياته مع الشيخ عبد العزيز السالم السامرائي، الذي كان يدرس العلوم الإسلامية لمجموعة منتقاة من الطلاب لمدة ثلاث سنوات وفي العام 1952 أصبح خطيبا في منطقة الكرادة الشرقية أرقى الأحياء في بغداد.
كما درس على كبار علماء العراق خاصة العلامة الشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ قاسم القيسي مفتي العراق، وأخذ في صغره منحى التشدد، لكنه غادر ذلك المنزع النفسي نحو الانفتاح، خاصة بعد دراسته للمذهب الحنفي القائم على فكرة الرأي، وتعرف على فكر الإخوان المسلمين، وأصبح من مؤسسي الحزب الإسلامي العراقي، إلا أنه آثر الاستقلال الفكري، اقتناعا منه أن الإمام يجب ألا يكون له انتماء سياسي.
غادر العراق إلى مصر وحصل على الثانوية الأزهرية عام 1953، ثم الليسانس من كلية الشريعة والقانون عام 1959، ثم الماجستير من كلية الشريعة عام 1968، ثم الدكتوراه عام 1973، حيث تخصص في أصول الفقه، فنال العلواني جميع شهاداته من الأزهر من الثانوية حتى الدكتوراه.
التحق بالخدمة في الجيش العراقي كضابط احتياط، وتعرف على الضباط من ذوي الاتجاه الإسلامي وكون ما عُرف باسم "المنظمة العسكرية الإسلامية" إلا أن تجربته فشلت، وأصبح مقتنعا أن العنف لن يقود إلى التغيير، وأن التغيير لا يكون إلا من خلال إعادة تشكيل العقل المسلم، فغادر العراق عام 1968، وكانت محطته الأولى مصر واستقر بها حتى حصل على الدكتوراه وتخللتها فترة عمل في السعودية في المجال التعليمي، فعمل أستاذ للثقافة الإسلامية بمعهد ضباط الأمن العام في الرياض من 1977 حتى 1983، ثم أستاذا للفقه وأصول الدين في كلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود من عام 1975 حتى العام 1984، وشارك في تأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي عام 1981، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1983، ورأس المجمع الفقهي لأمريكا الشمالية وكندا من 1988 حتى العام 2005، ثم استقر في القاهرة حتى وفاته في الرابع من مارس 2016.
سجل العلواني ذكرياته وتكوينه الفكري في سيرته "تجربتي مع الحياة السياسية في العراق، سيرة لا ذاتية ولا متحيّزة"، ويمكن التوقف عند بعض المشاهد ذات الدلالة في تلك السيرة، ومنها:
- أن التشجيع لعب دورا في انصرافه إلى التبحر في العلم، فقد كان مسئول الإخوان في بغداد، يحفزه ويخبره بأنه يصلح إماما، وكان العلواني في تلك الفترة لم يبلغ الثمانية عشرة عاما، تلك الكلمات نبهت الشاب الصغير إلى قدراته مبكرا فسعى في تنميتها.
- تنبه العلواني مبكرا إلى الدور المشبوه الذي تلعبه السلطة ضد خصومها السياسيين، خاصة الإسلاميين، حيث أرادات السلطة البعثية في العراق بعد إعدام الرئيس عبد الكريم قاسم أن تحصل على فتوى من المرجعيات الدينية في العراق لإعدام خمسة آلاف من الشيوعيين بحجة أنهم مرتدون، غير أن العلواني نبه تلك المرجعيات إلى خطورة تلك الفتوى.
- عندما كان العلواني ضابط احتياط في الجيش العراقي، اختاره الرئيس عبد الكريم قاسم ليخدم في مكتب مستشاره الصحفي، وهناك لاحظ حجم النفاق والتملق الذي يبديه الكثيرون للحاكم، مما يُسرع بإفساده وتحوله إلى مستبد، فأدرك أن الديكتاتورية صناعة، تجري في أروقة الحكم.
- امتلك العلواني من الإنصاف في مذكراته أن ينقد سلوكه ومواقفه الشخصية، حيث راجع موقفه الناقد للرئيس عبد السلام عارف لميوله لحزب البعث، رغم أن الرجل كان محبا للإسلام.
المشروع الفكري
كرس العلواني حياته كلها لبناء العقل المسلم، فساهم في تأسيس ثلاث مشروعات كبرى لخدمة هذا العقل، وهي: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، والجامعة الإسلامية في ماليزيا 1983، وجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بفرجينيا، والتي أصبحت جامعة قرطبة بعد ذلك، وكانت تلك المؤسسات الثلاثة هي محور المشرع الفكري للعلواني.
ويمكن تقسيم الإنتاج الفكري للعلواني إلى ثلاث مراحل أساسية:
المرحلة التقليدية: التي اهتم فيها بإصدارات تنصرف إلى مجالات الاهتمام التقليدية لعلماء الفقه والأصول، فحقق رسالة الإمام أحمد بن حنبل في الصلاة، كما حقق كتاب "المحصول في أصول الفقه" للإمام الرازي، وأصدره في ستة مجلدات عام 1979، وكشف تحقيقه للكتاب عن تبحره في العلوم الشرعية، وبخاصة أصول الفقه، وكتاب "أدب الاختلاف في الإسلام" وهو كتاب أصدره في مطلع الثمانينيات، استعرض فيه الموقف الشرعي في الاختلاف، وحشد فيه قدرا كبيرا من خبرات التاريخ الإسلامي في الاختلاف ليؤكد على شرعية الاختلاف وممارسته فعليا في الخبرة الإسلامية.
المرحلة الانتقالية: وبدأت المرحلة مع تأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أبدى اهتماما بفكرة إسلامية المعرفة، ودعا إلى التجديد، وأصدر فيها مجموعة من الكتب، منها: "أصول الفقه: منهج بحث ومعرفة"، و"إصلاح الفكر الإسلامي بين القدرات والعقبات" و"التعددية: أصول ومراجعات بين الاستتباع والإبداع".
مرحلة الاجتهاد: وفيها تفاعلت معارفه وعلومه المتنوعة مع خبراته وتطورت، ووصل إلى مرحلة متقدمة من الاجتهاد والقدرة على طرح الأفكار والرؤى التجديدية، وأخذ يطرح رؤيته في نقد التراث بمعيارية قرآنية، وأصدر في تلك المرحلة عدة كتب أثارت قدرا واسعا من الجدل، منها: لا إكراه في الدين، والوحدة البنائية للقرآن المجيد، ولسان القرآن، ونحو موقف قرآني من النسخ، ونحو وقف قرآني من المحكم والمتشابه، وأفلا يتدبرون القرآن.
وقد احتل القرآن الكريم موقعا مركزيا في المشروع والإنتاج الفكري للعلواني، في رؤية تجمع بين القراءتين، قراءة الكتاب المبين، وقراءة الكون، فلا تصادم بين القراءتين ولا تعارض، لأن تعطيل إحدى القراءتين هو تعطيل للاستمداد من الوحي، أو تعطيل للفعل الإنساني الحضاري.
ويرى أن إطلاقية القرآن على مستوى الزمان والمكان تجعل منه ممتلكا للأجوبة لمشكلات الإنسان، أجوبة تعبر الأزمنة والجغرافيا والثقافات، كما احتل التوحيد ركنا مهما في مشرعه، كأساس للمعرفة، فاستناد المعارف على التوحيد يوجد انسجام في حركة الإنسان الكونية والتاريخية، كذلك اهتم العلواني ببناء منهج للتعامل مع التراث، وفي هذا الجانب قدم مساهمات فريدة، أبرزها وضع الأسس الأولى لتأسيس علم المراجعات، حيث كانت إضافاته جديدة وتأسيسية لهذا العلم.