في عام 1903 طلبت سيدة مصرية بيع حصتها من أسهم قناة السويس، التي كانت تملكها فرنسا في تلك الفترة، فكان رد الشركة الفرنسية: بأن المرأة ليس من حقها أن تبيع؛ لأنها ليس لها ذمة مالية، وحسب نصوص القانون الفرنسي: لا يجوز لها التصرف في أموالها، فكتبت السيدة للشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية آنذاك، تستفتيه، فأجابها بأن الشريعة الإسلامية منحت المرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها، ومن حقها أن تدخر وتستثمر وتنفق مالها دون تدخل من الزوج.
والحقيقة أنه منذ بداية الغزو التغريبي والاستعماري للمنطقة الإسلامية، وتحتل المرأة وقضاياها موقعا متقدما في الهجوم على الإسلام عقيدة وتاريخا وتشريعا ومجتمعا، وهو ما استدعى مواجهة فكرية ومجتمعية بين أنصار التغريب وأنصار المشروع الإسلامي، إذ إن استيراد المشروع التغريبي إلى المنطقة العربية تحديدا جاء بنسخته المناهض للدين، وكانت قضايا المرأة أحد مكونات المشروع التي وُضعت في مواجهة مع الإسلام، رغم أنه في بداية القرن العشرين كان ذوو الاتجاه الإسلامي يخوضون معارك فقهية ومجتمعية ضد تقاليد المجتمع التي غبنت النساء وانتقصت من حقوقهن وظلمتهن، فكان المصلحون المسلمون هم دعاة تحرير المرأة قبل التغريبيين.
ويشير تاريخ النهضة العربية إلى مصلحين مثل الإمام محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا، ومحمد فريد وجدي، وطلعت حرب، قاموا بدور في تحرير المرأة والدفاع عن كينونتها الإنسانية وحقوقها استنادا إلى الإسلام وتعاليمه، كذلك ظهرت رائدات مثل: "زينب بنت فواز العاملي"(ت1914) تلك السيدة اللبنانية التي قادت مناظرات وسجالات للدفاع عن المرأة استنادا إلى الإسلام وتعاليمه، وشاركت الإمام محمد عبده في الرد على مزاعم العلمانيين، وسبقت قاسم أمين في الدفاع عن المرأة، وكذلك ملك حفني ناصف(ت1918) التي دافعت عن المرأة، وواجهت الداعين لخلع الحجاب بحجة التقدم.
وجاءت مدرسة الاعتدال لتصل جهدها بتلك الجهود التي سبقتها في الدفاع عن المرأة المسلمة وقضاياها وهويتها، وتنوعت جهودها في النظر إلى المرأة، لكنها اعتمدت مسارين أساسيين، أولهما: تحصين المرأة المسلمة ضد الدعاوى التي تشككها في دينها وشريعتها وتاريخها، والثاني: إكساب المرأة فاعلية في حضورها، ونشاطا في حركتها، ومنحها أدورا تخدم بها دينها ومجتمعها، أي دفعها إلى الإيجابية المجتمعية والدعوية والإصلاحية.
ومن أهم المجالات التي اهتمت بها كتابات مدرسة الاعتدال:
- المجال التأصيلي وفق الرؤية الشرعية: اهتمت المدرسة بتأصيل قضايا المرأة وفق المنظور الشرعي، وإزالة الالتباس والشكوك والشبهات التي يثيرها التغريبيون والعلمانيون تجاه موقف الإسلام من المرأة، فقد روج هؤلاء أن الإسلام ظلمها وهضم حقها، وفضل الذكور عليها، ونظر إليها كمخلوق متأخر عن الرجل بكثير.
وفي مقدمة تلك الكتابات التي أصلت للرؤية الإسلامية، كتاب "نداء إلى الجنس اللطيف: حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام" للشيخ رشيد رضا، وتم تأليف الكتاب عام 1932، في ظل دعوة اقترحها علماء الهند لنشر كتب تتحدث عن مناقب النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم مولده، وكان الشيخ رشيد أثناء تأليف الكتاب يضع في ذهنه حالة المساواة الناهضة في أوروبا بين الرجال والنساء، وأراد أن يعلن كلمة الإسلام فيما يتعلق بقضايا المرأة في ذلك الوقت المبكر.
وكذلك رسالة الشيخ حسن البنا بعنوان "المرأة المسلمة" التي أبدت اهتماما كبيرا بالمرأة، وانعكس هذا الاهتمام في تأسيس قسم للأخوات المسلمات في جماعة الإخوان المسلمين رأسته السيدة لبيبة أحمد.
ومن الكتابات الموسوعية الرائدة في هذا الجانب، كتاب الدكتور عبد الحليم أبو شقة "تحرير المرأة في عصر الرسالة" والذي حشد فيه غالبية النصوص في القرآن والسنة المطهرة التي تعالج قضايا المرأة، ويقع في أربعة أجزاء كبيرة، وصدر في العام 1990، وقال عنه الشيخ محمد الغزالي: "إنه كتاب وبحث وجب صدوره منذ ألف عام!" وأثنى عليه الدكتور سلمان العودة بقوله: إنه سعى إلى "ترسيخ الحالة الوسطية في قضية المرأة بقوة وبرهان، بعيداً عن الغلو أو التطرف أو الابتذال"، وصدر أيضا، كتاب" حقوق المرأة المدنية والسياسية في الإسلام" للأردني محمد عبد القادر أبو فارس، وكتاب "حقوق المرأة وواجباتها في ضوء الكتاب والسنة" للدكتورة فاطمة عمر نصيف.
- المجال الفقهي: يأتي كتاب "المرأة المسلمة المعاصرة" للدكتور محمد الزحيلي، الذي تناول عبر فصوله الثمانية ما يتعلق بالمرأة المسلمة، وأحكامها، وحقوقها، والفتاوى الشرعية الخاصة بالنساء، وكتاب "امتياز المرأة على الرجل في الميراث والنفقة" للدكتور صلاح سلطان الذي تناول الشبهات التي تثار حول المرأة في الميراث والنفقة، وعرض الكتاب لنماذج من الإرث تساوى فيها نصيب المرأة مع الرجل، وفي حالات أخرى زاد فيها نصيب المرأة على الرجل، وحالات ثالثة ورثت المرأة ولم يرث الرجل.
وقدم الفقيه الدكتور يوسف القرضاوي عددا من الكتب، منها: "فتاوى المرأة المسلمة"، وكتاب "فقه الأسرة وقضايا المرأة" و"حياة المرأة المسلمة في إطار الحدود الشرعية"، و"النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه".
المجال التجديدي: عرفت مدرسة الاعتدال التجديد في قضايا المرأة، وكان الشيخ محمد الغزالي من أهم رواد التجديد في كتابيه "السنة بين أهل القفه وأهل الحديث" وكتاب "قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة"، وأكد الغزالي في الكتاب أنه "لا خشونة الرجل تهب له فضلا من تقوى, ولا نعومة المرأة تنقصها حظا من إحسان"، وطرح الكتابان السابقان الكثير من الرؤى التجديدية الخاصة بالمرأة فيما يتعلق بدورها في المجال العام، خاصة الشأن السياسي، وكذلك المفكر السوداني الدكتور حسن الترابي في كتابه "المرأة بين الأصول والتقاليد"، و"المرأة بين تقاليد الدين وتقاليد المجتمع" ، حيث طرح رؤى تتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة، وحقها في العمل العام.
المجال الفكري والحضاري: اهتمت المدرسة بمعالجة القضايا الفكرية الخاصة بالمرأة في إطار المشروع الإسلامي، ومقارنتها بالمشروع الحضاري الغربي، في إطار رؤية تحصينية للمرأة المسلمة، فأصدر "أنور الجندي" كتابه "حركة تحرير المرأة في ميزان الإسلام"، وكذلك الشيخ راشد الغنوشي في كتابه "المرأة بين القرآن وواقع المسلمين"، وكتب الدكتور محمد عمارة "حقائق وشبهات حول مكانة المرأة في الإسلام"، حيث أكد أن الإسلام ثورة تحريرية للمرأة, حققت لها كامل المساواة في الخلق, والكرامة والتكريم والإنسانية, والتكليف والحساب والجزاء, وكامل المشاركة في العمل العام، كما أصدر عمارة كتاب "تحرير المرأة بين الغرب والإسلام"، وكتاب "الإسلام والمرأة في رأي الإمام محمد عبده".
وجاءت المشاركة الأكاديمية من الدكتور هبه رؤوف، في رسالة نشرت بعنوان: "المرأة والعمل السياسي: رؤية إسلامية"، حيث قدمت رؤية إسلامية للعمل السياسي للمرأة في إطار التكوين المؤسسي للمجتمع، وما للمرأة من صلاحيات شرعية، ووظائف اجتماعية للمشاركة في هذا التكوين، وبحث الكتاب في الأهلية والوعي بحسبانهما من صلاحيات المشاركة في التكوينات الاجتماعية، كما تحدث عن مكان ودور المرأة على خريطة قضايا البيعة والولايات العامة والشورى، وكذلك أصدر الدكتور "محمد موسى الشريف" كتاب "مصطلح حرية المرأة بين كتابات الإسلاميين وتطبيقات الغربيين"، كما صدر كتاب "حقوق المرأة ودورها في الفكر الإسلامي والغربي" للدكتورة ندى سلمان.
المجال الدعوي والتربوي: وتأتي كتابات الدكتور "علي عبد الحليم محمود" ومنها "المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله" كدليل على إدراك مفكري مدرسة الاعتدال وجود قدر من التمايز بين المرأة والرجل في المجال الحركي يستوجب أن يكون للمرأة كتاباتها الخاصة والتي تعالج مشكلاتها المختلفة عن مشكلات الداعية الرجل داخل الحركة الإسلامية، وكذلك كتاب "المرأة المسلمة الداعية في التربية" للكاتب محمد بريغش.