المودودي والدعوة الإسلامية.. من الفكر إلى الحركة

إرتبط إسم أبو الأعلى المودودي  بالتأسيس لمفهومي الدولة الإسلامية والحاكمية ، فيعد أبو الأعلى المودودي نموذجًا فريدًا للداعية الإسلامي الذي أوقف حياته على الدعوة إلى الإسلام، ليصبح نموذجاً دعوياً للإسلام في كل مكان، بل إن أعماله ومؤلفاته قد انطلقت لتتخطى حدود المكان وتتجاوز إطار اللغة، فترجمت إلى معظم لغات العالم؛ لتظل ينبوعًا متجددًا لعطائه الفكري والدعوي الذي تجاوز مرحلة الدعوة باللسان والتنظير الفكري إلى مجال التطبيق العملي للتشريع الإسلامي حكمًا وقيادة ومعاملات.

النشأة والتكوين

وُلِدَ أبو الأعلى المودودي في 25 سبتمبر 1903م في مدينة أورنك أباد التابعة لولاية حيدر أباد بجنوب الهند. ويرجع نسبه حسب بعض الكتاب إلى العرب الذين جاءوا إلى الهند مع القائد الفاتح محمد بن القاسم، وكان أبوه رجلاً مثقفاً ومتصوفاً كما، شجع ابنه على طلب العلم فدرس القرآن والحديث والأدب العربي والفلسفة وتعلم اللغة الأردية والعربية والفارسية واللغة الإنجليزية فيما بعد.

يمكن تقسيم مراحل حياة الإمام المودودى إلى ثلاثة مراحل:-

1- المرحلة الأولى :

بعد وفاة والده واجه كثيراً من المشكلات ، فقد أصبح وحيداً ، وعليه أن يعمل ليحصل على الرزق ، وتنقل من بلد إلى بلد ، واختار أن يعمل في المجال الصحفي فبدأ عمله في جريدة المدينة التي كانت تصدر في مدينة (بنجور) . وذلك عام 1918م ، كانت الهند تهتز بالحركات السياسية خلال تلك الفترة ، فشارك المودودي في حركة (المحافظة على الخلافة العثمانية) ، وأوائل عام 1921م قررت جمعية العلماء في دلهي إصدار أول جريدة لها باسم (المسلم) فكان المودودي رئيس تحريرها .. وفي عام 1924م أصدرت الجمعية جريدة أخرى باسم (الجمعية) وكان المودودي رئيس تحريرها إلى عام 1928م ، وخلال عام 1926م حصلت مصادمات عنيفة بين المسلمين والهندوس ، وقام غاندي يتهم الإسلام بأنه انتشر بالسيف وأنه دين عنف وإرهاب ، وفي هذه الأثناء ألقى محمد علي جوهر خطاباً في الجامع الكبير في دلهي قال فيه: (ليت شخصاً من المسلمين يقوم ويفند الافتراءات التي يوجهها الهندوس إلى الإسلام) ، فكان هذا الرجل هو المودودي، فكتب كتابات بليغة في الرد على مزاعم الهندوس .. ونشرها على حلقات ثم جمعت بكتاب (الجهاد في الإسلام) .

2- المرحلة الثانية (بناء الذات) :

غادر المودودي دلهي إلى حيدر آباد ليعمل أعمالاً بسيطة ، وتفرغ للقراءة من 1928 إلى 1932م. فكانت مرحلة انعطاف وإعتزال على الذات أنضجت كثيراً من المعاني التي اتسمت بها مدرسة الاعتدال في شبه القارة الهندية .

3- المرحلة الثالثة من العزلة إلى الحركة :

عام 1932م خرج من عزلته ، وقرر إصدار مجلة (ترجمان القرآن) ، واستمر المودودي في إصدار المجلة إلى آخر أيام حياته .. باستثناء الفترات التي صادرت فيها الحكومات المجلة ..

المودودي والجماعة الإسلامية

لم يكتفى المودودي بأن يكون مفكراً ومنظراً وداعية للإسلام وفقط بل أراد أن يحول نظرياته وأفكاره إلى الممارسسة الواقعية فكان تأسيس الجماعة الإسلامية في لاهور.. وانتخب أميرًا لها في (26 أغسطس 1941م). ومع إعلان قيام دولة باكستان في (28 من أغسطس 1947م)، انتقل المودودي مع زملائه إلى لاهور؛ حيث أسس مقر الجماعة الإسلامية بها، وفي (يناير 1948م) بعد قيام باكستان بنحو خمسة أشهر.

إنتشاره الدعوي في العالم العربي

ظهرت كتب أبي الأعلى المودودي في العالم العربي في الأربعينيات، وقد زار سوريا و الأردن و المملكة العربية السعودية في عام 1956م. ،كما زار مصر واستقبله شيخ الأزهر الإمام محمود شلتوت، كما ساهم فى تأسيس رابطة العالم الإسلامي، وقد منحته المملكة العربية السعودية جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في عام 1978م.

معاناته بسبب أفكاره

تعرض المودودي بسبب أفكاره ومواقف الجماعة الإسلامية إلى العديد من المواجهات والاعتقالات فقد قامت الحكومة في (4أكتوبر 1948م) باعتقال المودودي وعدد من قادة الجماعة الإسلامية، وبعد ذلك بنحو عام (28 مايو 1950م) اضطرت الحكومة إلى إطلاق سراحه وزملائه، وفي (28 م مارس 1953م) تم اعتقاله للمرة الثانية مع اثنين من زملائه ، ثم أطلق سراحهم بعد نحو شهر ونصف في (7 من مايو 1953م)، ولكن ما لبث أن تم اعتقالهم مرة أخرى في اليوم التالي مباشرة، وبعد أربعة أيام فقط من اعتقاله حكم عليه بالإعدام، وتوالت البرقيات من كل مكان تشجب هذا الحكم، حتى اضطرت الحكومة إلى تخفيف حكم الإعدام والحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ولكن ردود الفعل الرافضة لهذا الحكم أدت إلى إصدار حكم بالعفو عن المودودي في (1955م)، ومع بداية عام (1956) رضخت الحكومة لمطالب الشعب بإصدار دستور إسلامي للبلاد، ولكن ما لبثت أن أعلنت عن دستور جديد في (1963م)، ثم أصدرت قرارًا بحظر نشاط الجماعة، وتم اعتقال المودودي و(63) من زملائه، ولكن القضاء أصدر حكمًا ببطلان الحظر والاعتقال، وأطلق سراحه وزملائه في (أكتوبر 1964م).

إنتاجه الفكري

في نوفمبر 1972م استقال المودودي من إمارة الجماعة الإسلامية وتفرغ للعمل الفكري، وأعد كتاباً في السيرة النبوية بعد أن أتم تفسير القرآن في يونيو من العام نفسه،وكان مجمل ما قدمه للمكتبة الإسلامية يربو على ال70 كتاباً ورسالة في القرآن والحديث والسيرة والفقه والقانون والسياسة والاقتصاد والتاريخ.وإرتكزت معظم كتبه على تحقيق أمرين:

1- بيان مفهوم (الجاهلية) وكشف عوراتها .

2- شرح (نظام الحياة في الإسلام) كما هو في القرآن والسنة بأسلوب عقلي.

ومن أبرز تلك المؤلفات:

  • الجهاد في الإسلام: وقد ألفه سنة (1928م).
  • الحضارة الإسلامية (أصولها ومبادئها): وقد كتبه سنة (1932م).
  • نظرية الإسلام السياسية: كتبه سنة (1939م)
  • تجديد وإحياء الدين: كتبه سنة (1940م).
  • الاصطلاحات الأربعة الأساسية في القرآن: كتبه سنة (1940م).
  • الإسلام والجاهلية: كتبه سنة (1941م).
  • الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية: كتبه سنة (1945م).
  • الدين الحق: كتبه سنة (1947م).
  • نظام الحياة الإسلامي: كتبه سنة (1948م)
  • حقوق أهل الذمة: كتبه سنة (1948م).
  • مطالب الإسلام تجاه المرأة المسلمة: كتبه سنة (1953م).
  • قضية القاديانية: كتبه سنة (1953م)
  • تفسير تفهيم القرآن: ويقع في ستة أجزاء، وقد بدأ كتابته سنة (1941م)، وأتمه في سنة (1972م).
  • سيرة النبي صلى الله عليه وسلم : وقد شرع في تأليفه سنة (1972م)، وأتمه قبيل وفاته، وهو آخر مؤلفاته  

وقد حظيت مؤلفات المودودي بشهرة عريضة في جميع أنحاء العالم ولقيت قبولا واسعًا في قلوب المسلمين في شتى البقاع؛ فترجم الكثير منها إلى العديد من اللغات، حتى بلغ عدد اللغات التي ترجمت مصنفات المودودي إليها ست عشرة لغة.

وفاة المودودي

في (22 من سبتمبر 1979م) رحل المودودي عن عالمنا إلى رحاب ربه، ولكنه بقي بأفكاره وتعاليمه ومؤلفاته الجليلة ليظل قدوة للدعاة على مر العصور، ونبعًا صافيًا من منابع الإسلام الصافي والعقيدة الخالصة.

قالوا عن المودودي:

العلامة الشيخ أبو الحسن الندوي: "إنني لا أعرف رجلاً أَثَّرَ في الجيل الإسلامي الجديد، فكريًّا وعمليًّا مثل المودودي

،فقد قامت دعوته على أسس علميَّة، أعمق وأمتن من تلك التي تقوم عليها الدعوات سياسية، أو ردود فعل للاستعمار الأجنبي، وكانت كتاباته وبحوثه موجهة إلى معرفة طبيعة هذه الحضارة الغربية، وفلسفتها في الحياة وتحليلها تحليلا علميا، قلما يوجد له نظير في الزمن القريب.

العلامة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي: "المفكر المجدد، صاحب النظر العميق، والتحليل الدقيق، ناقد الحضارة الغربية على بصيرة، والداعي إلى نظام الإسلام على بينة، صاحب الكتب والرسائل التي ترجمت إلى عشرات اللغات، الذي وقف في وجه دعاة (التغريب) وأعداء (السنة)، والمنادين بنوبة جديدة (القاديانية)، و(المرتزقة) من الخرافيين والقبوريين و(مشوشي الفكر) من المقلدين الجامدين.. مؤسس كبرى الجماعات الإسلامية في شبه القارة الهندية".

 المستشار عبد الله العقيل: "العلامة المودودي علم من أعلام الإسلام المعاصرين، ومفكر من مفكريه، وداعية من دعاته، آتاه الله الحكمة وبعد النظر، والعمق في الفهم، والصبر على العلم، والتأمل في الواقع، والدراسة الميدانية للأفكار الرائجة، والأوضاع السائدة، والتتبع لمصادر المعرفة وتمييزها وتوثيقها، والنقد الموضوعي لحضارة الغرب، بأخذ الصالح منها وطرح الضار، وتقديم الإسلام كحل لمشكلات الحياة في جميع جوانبها".

 

المصادر:

أبو الأعلى المودودي: حياته وفكره العقدي: حمد بن صادق الجمال – دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع – جدة (1401 هـ = 1986م).

أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته: د. سمير عبد الحميد إبراهيم – دار الأنصار – القاهرة: 1399 هـ = 1979م.

أبو الأعلى المودودي والصحوة الإسلامية: د.محمد عمارة – دار الشروق بالقاهرة: 1407 هـ = 1987م.

عبد الله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة ص 339، 340.