ولد بمصر وسجن بها، وعاش في الكويت، ومات في أذربيجان.. في الكويت دفن زوجته وابنته ثم دُفن هو بأرضها.. عاش غريبا، ومات غريبا، لكنها كانت غربة عن الأرض وليست عن الدين، لم تعرف حياته الهدوء، إذ ظل شعلة من الحماس لا تنطفئ حتى وهو في شيخوخته، ولم يعرف قلمه السكون فأصدر أكثر من عشرين كتابا، جادل فيها التكفيريين والعلمانيين.

قصة الحياة

ولد سالم على البهنساوي في 30 من مايو 1932، بقرية السعديين بمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، ونشأ في وسط ديني، فحفظ القرآن في صغره، وفي المرحلة الثانوية انضم إلى جماعة الإخوان، ثم التحق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) عام 1948، لدراسة الحقوق، وتعرض للاعتقال عام 1954، إثر مشاركته في المظاهرات التي طالبت بعودة الحياة الديمقراطية في مصر، في الأزمة السياسية الشهير المعروفة بـــ"أزمة مارس" والتي كانت تطالب فيها المظاهرات بعودة الرئيس محمد نجيب للحكم.

تعرض البهنساوي لقسوة السجن والسجان، وهو في نضارة شبابه، لكن محنته لم تدم طويلا، فخرج من السجن وحصل على الليسانس عام 1955، والتحق للعمل بالتأمينات فور تخرجه، حتى العام 1964، ومع تعرض الإخوان لمحنة 1965 أُعيد اعتقاله مع أكثر من ثلاثين ألفا من الإخوان، وكانت تهمته معاداة الشيوعية في محاضرات ألقاها بالدقهلية، كانت محنة طويلة وقاسية استمرت ست سنوات من التعذيب والانتهاكات فتلقاها بالصبر الجميل، حتى خروجه من السجن في مايو 1971م.

لم يطل بقاء البهنساوي طويلا بمصر، فغادرها عام 1973، وهو في الأربعين من عمره إلى الكويت، حيث عمل بالهيئة العامة لشئون القصر بوزارة العدل، وظل في منصبه هذا حتى بلوغه سن التقاعد عام 1992، وصاغ بعض القوانين الخاصة بالهيئة وفق مبادئ الشريعة الإسلامية مثل قانون شئون القصر، كما ساهم في صياغة قانون إنشاء الهيئة الأساسي 1983م، ثم اختير مستشارا لوزارة الأوقاف في الكويت عام 2001م، وتطوع كذلك للعمل كمستشار قانوني للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.

كانت حياته في سبيل الإسلام، لم يبخل فيها بجهد أو فكر أو عطاء، ذهب بعيدا إلى أذربيجان تلك الأراضي التي عرفت الإسلام في العام التاسع عشر من الهجرة، ليشارك في مؤتمر عن الوسطية نظمته الكويت، إلا أن روحه صعدت إلى بارئها في فجر يوم الجمعة (3من صفر1427هـ= 3من مارس2006)، عن عمر يناهز الثلاثة والسبعين عاما، ونقل جثمانه إلى الكويت ليدفن فيها بعدما قضى على أرضها ثلاثة وثلاثين عاما، أنتج فيها أهم كتبه وبحوثه.

نقد التكفير

"أنسب صفة لمشروع الأستاذ سالم البهنساوي هو "النقد المرجعي"، وقد ظهرت آفاق النقد المرجعي في ثلاثة مستويات:

- نقده لفكر التكفير والخروج على المجتمع.

- نقده للمزاعم المرتبطة بالسنة تدوينا وفهما ووظيفة.

- نقده لخطاب العلمانية في الوطن العربي.

والمقصود بالنقد المرجعي أن الأستاذ سالم البهنساوي لا يشتغل بنقد ظواهر الأفكار والمواقف والاتجاهات، وإنما يغوص في أعماق البنية الفكرية التي تشكل المرجع الذي يستمد منه كل اتجاه أو موقف أطروحاته، ويستوحي منه شرعية صياغته وتداوله، إيمانا منه بأن الانشغال بالظواهر مفض إلى إهدار الجهد وضياع الرشد، ومُوقع في متاهات التطاحن، ومن ثم فإن الأصل هو أن يُعاد إلى الأصل". (1)

وفيما يتعلق بقضية التكفير التي عاصر البهنساوي بذرتها، وساهم في وأدها مبكرا في الستينيات، رأي أنها عادت للنمو مرة أخرى في السبعينيات، ورأى ضرورة المواجهة الفكرية معها، من خلال فضح أصولها الاستنادية من نصوص القرآن والسنة، ونقدها وكشف زيفها، وأعلن أن تمسك التكفيريين بالنصوص التأسيسية في الإسلام هو نوع من الاعتداء على الإسلام ذاته قبل الاعتداء على معتنقيه بالتكفير.

وكان الإسهام الكبير للبهنساوي في مواجهة قضية التكفير هو تخليص فكر سيد قطب من عملية الاختطاف التي تعرض لها من التكفيريين الذين سعوا لأن تكون أفكار قطب هي منطلقهم في العدوان على المجتمع خاصة في جانبه الاعتقادي، لذا لم يترك البهنساوي فكر سيد قطب لهم، وإنما أصدر ما يقرب من ثلاثة كتب ينفي عن قطب فيها مسألة تكفير المجتمع، ويعيد شرح مصطلحاته التي استخدمها في كتبه مثل: "الجاهلية" و"الحاكمية" من خلال فكر سيد قطب نفسه وقاموسه المصطلحي الذي لا يدرك التكفيريون فهمه.

وقد نشر كتابه "الحكم وقضية تكفير المسلم" قبل اغتيال الشيخ محمد الذهبي، بشهرين، واتهمت جماعة "التكفير والهجرة" التي يتزعمها شكري مصطفى، باختطاف الشيخ الذهبي وقتلته في 7 يوليو 1977.

أهم المؤلفات

كان العام 1957 هو بداية دخول سالم البهنساوي إلى عالم تأليف الكتب، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، فأصدر كتابا بعنوان "الوجيز في العبادات"، وفي العام 1963 أصبح أكثر تخصصا في مجاله فأصدر كتاب "الإسلام والتأمينات الاجتماعية"، ويعبر ذلك عن إدارك مبكر للقضية الاجتماعية، وكان الكتاب ردا إسلاميا على التحولات السياسة والاجتماعية في مصر في فترة الستينيات والتي تبنت الاشتراكية.

ثم جاء في العام التالي كتابه "القوانين وعمال التراحيل"، وحالت فترة السجن التي امتدت ست سنوات بينه وبين التأليف، إلا أنه كان أحد المشاركين في كتاب "دعاة لا قضاة" الذي أصدرته جماعة الإخوان في العام 1966 لمواجهة التيار التكفيري الذي أخذ ينمو في السجون بفعل الانتهاكات المروعة التي تعرض لها المعتقلون، وقد رأت الجماعة أن تعطي الكتاب قوة بنسبته في التأليف إلى المستشار حسن الهضيبي مرشد الإخوان.

ورغم سفره للكويت، فإنه رأى قضية التكفير تنمو وتنتشر، وتستقطب الشباب، فأصدر في العام 1977 كتاب "الحكم وقضية تكفير المسلم" وكان هذا الكتاب في أصله مجموعة من المذكرات كتبها وهو في السجن الحربي، ثم ما لبث الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، أن طلب منه أن يخرجها في كتاب لحماية الشباب من الوقوع في هذا الفكر التكفيري، لذا يعد هذا الكتاب المرجع الأول في كشف التكفير في ذلك الوقت.

وقد أعطى البهنساوي مساحة من تأليفه لقضية المرأة خاصة مع ظهور نزعات تشددية تجاه قضاياها، وأصدر مجموعة من الكتب منها: "قوانين الأسرة بين عجز النساء وضعف العلماء"1980، وفي العام التالي أصدر كتاب "مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية".

واستحوذ "سيد قطب" على جزء من الاهتمام التأليفي للبهنساوي، ومنها كتابه "أضواء على معالم على الطريق" صدر 1985، ويقع في (364) صفحة، موزعة على 13 فصلا، أراد فيه شرح بعض ألفاظ قطب بحيث لا تعطي معاني دالة على الغلو في التكفير، كما أصدر كتاب "سيد قطب بين العاطفة والموضوعية"، و" فكر سيد قطب في ميزان الشرع".

واستحوذت قضية الدفاع عن السنة النبوية والشريعة الإسلامية جانبا من مؤلفات البهنساوي، فأصدر فيها كتاب: "السنة المفترى عليها" و"الغزو الفكري للتاريخ والسيرة" و"الحقائق الغائبة بين الشيعة وأهل السنة" و"الخلافة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديمقراطية" و"السنة بين الوحي والعقل" و"الشريعة المفترى عليها" و"قواعد التعامل مع غير المسلمين"، و"كمال الشريعة وعجز القانون الوضعي" و"أدب الحوار والخلاف".

وكان نقد العلمانية من المجالات التي أسهم فيها بكتبه ومنها: "تهافت العلمانية في الصحافة العربية" و"أركسة العلمانيين "و"شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر" و"حرية الرأي" و"التطرف والإرهاب في المنظور الإسلامي والدولي" و"السلام الصهيوني والعجز العربي".