الكتاب: دعاة لا قضاة

المؤلف : حسن الهضيبي

دار التوزيع والنشر الإسلامية الطبعة الأولى 1977

عدد الصفحات: 191

دعاة لا قضاة.. لماذ؟!!

يمثل كتاب دعاة لا قضاة أحد المنعطفات الفكرية الهامة فى تاريخ مدرسة الاعتدال الحديثة، فمن بين صرخات التعذيب تناثرت حروف الكلمات لتضع منهجاً فكرياً فى مواجهة العنف والتكفير، فعندما أطلق حسن الهضيبي كتابه «دعاة لا قضاة» كان «الإخوان» يقبعون في سجون العهد الناصري أو مطاردين أو منفيين خارج مصر، أراد الهضيبي أن يبين أن وظيفة الداعية هي الدعوة إلى الاسلام وليس الحكم على الناس، على أساس أن الحكم مهمة القاضي وليس الداعية. قيل بعدها إن الكتاب جمع أبحاثاً شرعية شارك فيها عدد غير قليل من رموز «الإخوان»، وجرى جمعها في الكتاب ووُضع اسم الهضيبي عليه للتأكيد على التزام «الإخوان» بما ورد فيه.فكان الرجل ومعه فريق من رواد مدرسة الاعتدال يسعون إلى علاج أوضاع آلت إليها مدرسة الاعتدال بعدما ألصقت بها صفة العنف وممارسته والتحبيذ عليه، كما سعوا إلى نفي تهمة الإرهاب عن الجماعة أو التنصل منها، وكذلك الرد على كتاب «معالم على الطريق» لسيد قطب الذي تضمن بعض الأفكار التى تنتهج إطلاق أحكام على المخالفين للمنهج الإسلامي. واعتُبر كتاب «دعاة لا قضاة» وقتها بمثابة تحديد القواعد الشرعية الدقيقة التي يجب على «مدرسة الاعتدال» استخدامها في نظرتهم للناس والتزام الدعوة إلى الإيمان بالله ومواجهة الأفكار بالبيان والتصحيح وإزالة الشوائب والجدل بالتي هي أحسن.

عن الكتاب

هذا الكتاب مكون من مقدمة وأحد عشر فصلاً، وقد تضمنت المقدمة أصولاً ثلاثة يجب أن تتبع في حياتنا لئلا نحيد عن الطريق.

الأصل الأول:- وجوب الاحتكام إلى الله ورسوله قال الله تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ سورة النساء: 59.

الأصل الثاني:- كل قول لا يقوم على صحته برهان أو دليل لا يلزمنا وليس حجة علينا، وعلى من قال به أن يأتي بالدليل المثبت لصحة قوله.

الأصل الثالث:- أشار إلى قضية العقل وأنه لا دخل له في إيجاب شريعة بأمر أو نهى، فالعقل نعمة من الله لا جدال في ذلك. كرمه الله وأعطاه دوره في معالجة شئون الحياة وحل معضلاتها، لكن دوره من النص يجب أن يكون محددًا واضحًا كما قال المؤلف رحمه الله: وظيفة العقل في فهم النصوص ومعرفة مراد الله عز وجل منها؛ فهو يتلقى ويحاول أن يفهم ويدرك ما يتلقاه ثم يذعن ويطبق وينفذ ما لا يفهمه اليوم من النص الثابت فسيدركه غدًا، وبهذا تكون رؤيته للنص أسلم وأكرم.

وأشار في المقدمة إلى أمر آخر ألا وهو: كل امرئ غير المعصوم صلى الله عليه وسلم يؤخذ من قوله ويرد ويؤخذ من قوله ما قام الدليل والبرهان على أنه حق ويرد من قوله ما لم يقم دليل أو برهان على صحته. ولم يكن المقصود من هذا الكتاب كما يذكر المؤلف -رحمه الله- أن يكون بحثًا في الدعوة بمفهومها الشامل، ولكنه كان ردًّا محددًا على بعض الأفكار المحددة التى أثيرت تلك الفترة.

ففي هذا الإطار يجب أن يُفهم الكتاب، وأن يكون التعامل معه على هذا الأساس، يقول المؤلف في معرض إجابته عن سؤال وَرَد حول مصطلح الجاهلية الذي شاع استخدامه في الآونة الأخيرة، وكوْن البحث لم يتطرق إليه من قريب أو بعيد: (نعود فنلفت النظر إلى أن البحث السابق إرساله إنما قُصد منه فقط الرد على أقوال معينة ظهرت أخيرًا، رأينا خطورتها وخروجها على أصول دعوتنا، فعنينا بالرد على ما وجدنا أنه يلزم الردُّ عليه من هذه الأفكار دون استقصاء لها جميعًا، ونكرر القول: بأننا لم نكتب بحثًا في الدعوة بمفهومها الكامل أو برنامجها الشامل، وما كان لنا حاجة بذلك وللدعوة رسائلها وكتبها، وليس الوقت ولا الظروف التي نعيش فيها بالمناسبيْن للكلام في شؤون الدعوة على وجه التفصيل؛ ولذا فإننا إنما بحثنا ما اضطررنا إلى بحثه والرد عليه درءًا لخطر أكبر من الأخطار التي تهددنا بالكتابة في الظروف التي تحيط بنا)([1])  ويقول في معرض إجابته على سؤال آخر: (البحث لم يكن توجيهًا عامًّا، ولكنه ردٌّ محددٌ على أفكار محددة، فلا مجال لمن يستنتج أنه يدعو إلى الترخص)(  [2]). 

 

مقدمة الشيخ محمد عبدالله الخطيب

يقول الشيخ الخطيب فى مقدمته للكتاب: كتاب دعاة لا قضاة يدور حول القواعد الشرعية والموازين الإسلامية الدقيقة التي يجب علينا أن نستخدمها في نظرتنا للناس، كما يجب علينا أن نسير على مقتضاها ونمضى في هذا نؤدى ما كلفنا الحق سبحانه وتعالى به، وهو الدعوة إلى الإيمان بالله والالتزام بمنهجه واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومواجهة الأفكار بالبيان والتصحيح وإزالة الشبهات، ورد الأمر إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى عليه وسلم، والجدال بالتى هي أحسن كما علمنا القرآن هو الطريق السليم: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾، سورة النحل 125.

سمع عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ أن الخوارج عادوا للظهور في بعض مناطق الدولة، وأخذوا يثيرون القلاقل فأرسل إليهم على الفور كتابًا يقول فيه: من عمر بن عبد العزيز إلى فلان و فلان.. أما بعد: "فلقد بلغنى أنكم خرجتم غضبًا لله ولنصرة دينه، ولستم في هذا بأولى منى فهلموا لنتحاور فإن كان الحق معنا لزمكم السمع والطاعة، وإن كان معكم نظرنا فيما نحن عليه" ووصلت إليهم الرسالة فحضروا إليه وجلس معهم في المسجد، وفتح لهم قلبه واستمع إليهم ثم استمعوا إليه.. استمعوا إلى كلمة الإسلام من رجل أمين صادق فاقتنعوا برأيه ورجعوا عما هم فيه وتابوا إلى الله. أما أسلوب مواجهة الفكرة بالتربص بأصحابها والكيد لهم، والاضطهاد والفتنة فهو أسلوب فاشل لا يليق بالإنسان ولا يزيد صاحب الفكرة إلا عنادًا وتجاوزًا لكل الحدود وهذا ما حدث للأسف الشديد. 

يقول مصطفى صادق الرافعى رحمه الله: "إذا كنت تشنق من يخالفك في الرأي ففي رأسك عقل اسمه الحبل، وإذا كنت تسجن من يخالفك في الرأي ففي رأسك عقل اسمه الجدار، وإذا كنت تقتل من يخالفك في الرأي ففي رأسك عقل اسمه السكين أما إن كنت تأخذ وتعطى وتقنع وتقتنع ففي رأسك العقل الذي اسمه العقل". وحى القلم. والقضايا التي عالجها هذا الكتاب قضايا دقيقة وخطيرة تحتاج إلى اطلاع ودراسة وعلم غزير حتى يمكن الإحاطة بها والوقوف على منهج السلف، ولعل من بعض الأسباب التي أدت لظاهرة التكفير قلة بضاعة البعض من المعرفة بفقه الإسلام وجوانبه، والأخذ ببعض النصوص دون بعضها، وعدم الإلمام بآراء السلف الصالح وبمعرفة مواقع النصوص دون بعضها، وعدم الدراية وعدم الإلمام بآراء السلف الصالح وبمعرفة مواقع إجماع الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم. وقد أفرد المؤلف رحمه الله ـ فصلاً كاملاً لهذه الضوابط تحت عنوان "التعامل المباشر مع القرآن الكريم"، وقد حذرنا الأسلاف من الاندفاع والحكم بغير علم ومن التصدي لبيان هذا الدين أو تفسير أحكامه من غير أن نلم بالشروط والقواعد ونحققها قبل أن نتعرض لاستنباط الأحكام.

      

  

[1]() دعاة لا قضاة: 181.

[2]() المرجع السابق: 184