محمد زهير الشاويش علم من أعلام الدعوة في العصر الحديث، كان له السبق والريادة في نشر التراث العلمي وتحقيقه، وكان من رواد هذا العصر الأوائل في حرصه على جمع المخطوطات ونوادر الكتب وتتبعها في مظانها، حتى أصبحت مكتبته العامرة من أكبر المكتبات الإسلامية.
ويُعد الشاويش من قيادات العمل الإسلامي في سوريا، وشارك في مقاومة فرنسا سنة 1945، وقاوم بعدها في فلسطين من سنة 1946 إلى 1949 تحت راية زعيمين مجاهدين، هما الحاج أمين الحسيني، والدكتور مصطفى السباعي.
النشأة والميلاد
محمد زهير بن مصطفى بن أحمد بن علي الحسيني الشاويش, يرجع في نسبه إلى الحسين بن عليٍّ رضي الله عنه.
ولد في حيِّ المَيدان الدمشقيِّ، في الثامن من ربيع الأول 1344هـ (25/ 9/ 1925م)، وأسرة الشاويش الدمشقيَّة من الأسر القديمة في حيِّ المَيدان بدمشق، المشتهرة بالفضل والجاه والثَّراء، وهي أسرةٌ شريفة حُسينيَّة، كانت معروفةً قديمًا بعائلة (الحسيني)، ثم اشتَهرت في زمن الدولة العثمانيَّة بلقب (الشاويش)، وقد قَدِمَ جدودُهم من العراق وأقاموا في دمشق.
وكانت هذه الأسرة تحتفظ بسندات تملُّك لأوقافٍ كثيرة وواسعة, وحين جرى حلُّ الأوقاف السورية سنة 1945م، وضعت مديرية الأوقاف يدَها عليها وأخفتها، فضاعت عليهم ثروةٌ طائلة.
البداية العلمية:
بدأ حياته العلمية في المدرسة الأموية ثم المدرسة المحمدية التي أنشأها الشيخ محمد الفقيه المصري، شقيق إمامي الحرم المكي عبدالمُهيمن وأبو السمح -رحمهم الله جميعًا- ثم المدرسة الرسمية (أنموذج الميدان) بعد استقلال سوريا النِّسبي في الصفِّ الثاني الابتدائي، وتعرف حينها على الشيخ علي الطنطاوي، وترك المدرسة بعد نجاحه في الصف الثالث وانقطع عن الدراسة لسفره إلى مصر مع والده وزار الأزهر، وعيَّن له والده مدرسين يدرسونه دراسة خاصة مع ممارسة التجارة.
العلم الشرعى والتراث
لم يُتمَّ دراسته النظاميَّة ولكنَّه اعتنى بطلب العلم الشرعيِّ، وكثرة المطالعة, وإدمان النظر في كتب التراث الإسلامي، وأخذ عن كبار العلماء أمثال المشايخ: محمد بهجة البَيطار, ومحمد ناصر الدين الألباني، ومحمد بن عبد العزيز المانع، وحصَّل عشَرات الإجازات الحديثيَّة والعلميَّة من كبار علماء العصر المسنِدين من أقطار العالم الإسلاميِّ المختلفة.
فمن كبار مشايخه في الإجازة، السادة العلماء: محمد جميل الشطِّي (الدمشقي)، وأحمد محمد شاكر (المصري)، وإبراهيم الراوي (العراقي)، ومحمد بن عبد الله آل عبد القادر (الأحسائي)، ومحمد البشير الإبراهيمي (الجزائري)، وعبد الوهَّاب الحافظ دبس وزيت (الدمشقي)، وعبد الله القلقيلي (مفتي فلسطين والأردن)، وعبد الرحمن بن يحيى المعلِّمي (اليماني ثم المكي)، ومحمد راغب الطبَّاخ (الحلبي)، وتقي الدِّين الهلالي (المغربي)، وصلاح الدِّين بن رضا الزعيم (الدمشقي)، وسعدي ياسين الصبَّاغ (الدمشقي ثم البيروتي)، وغيرهم.
وحضر وهو صغير مجالسَ المحدِّث الأكبر بدر الدين الحسني وله إجازةٌ منه، وبدأ بالتحديث عنه عام 1414هـ أي بعد زُهاءَ ستين سنةً هجرية من وفاة الشيخ بدر الدين رحمه الله عام 1354هـ.
كان للشيخ صلةٌ وثيقة بكبار رجالات العصر والزعماء وذوي المكانة، ومنهم أمراء الخليج عمومًا، وقادة السعودية وقطر خصوصًا. ففي قطر كانت علاقتُه متينةً بأميرها الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني, وأصبح مستشارَه العلميَّ, واستمرَّت صلته بخلَفه الشيخ أحمد, ثم الشيخ خليفة.
وفي السعودية كانت علاقتُه قويةً بملوكها سعود وخالد وفيصل, فضلاً عن صلته بدار الإفتاء, وسائر الدوائر الرسميَّة، وكان بينه وبين الملك عبد العزيز مراسلاتٌ كثيرة.
العمل العام:
شارك في مقاومة الاحتلال الفرنسيِّ سنة 1945م, ثم مقاومة الصَّهاينة والإنكليز عام 1948م.. وهو من أعضاء جمعيَّة التمدُّن الإسلامي, وجماعة الشبَّان المسلمين، وله مشاركةٌ فاعلة في الحركة الإسلاميَّة مع الشيخ مصطفى السِّباعي والأستاذ عصام العطَّار، وتبوَّأ مناصبَ قيادية رفيعة فيها، وانتُخب عضوًا في البرلمان السوريِّ عام 1961م.
استقر بلبنان، وأقام مكتبه فيها، وكان منزله مجمع العلماء من أنحاء العالم، مثل الشيخ الألباني رحمه الله، قبل أن يختلف معه، والشيخ عبد الفتاح أبوغدة، والأستاذ الشاعر السفير عمر الأميري، والشيخ محمد نصيف، والدكتور محمد سليم العوا، وعلماء من شتى الأقطار، إضافة إلى علماء لبنان: المفتي الشيخ حسن خالد، والشيخ محمد رشيد قباني والشيخ صبحي الصالح، وإضافة إلى رفقاء دربه من المخلصين: الشيخ فتحي يكن، والشيخ فيصل مولوي، والشيخ إبراهيم المصري، وغيرهم.
المكتب الإسلامي
افتتح سنة (1370هـ/ 1950م) دارًا لتحقيق التراث الإسلاميِّ ونشره، باسم (المكتب الإسلامي), في محلَّة الحَلْبُوني بدمشق, ثم اضطُرَّ مكرَهًا إلى الانتقال لبيروت سنة (1382هـ/ 1963م), وصارت الدار من أكبر دور النشر في العالم العربي.
امتاز المكتب الإسلاميُّ بما نشر من كتب التفسير, والفقه، والحديث النبويِّ الشريف, والتراث السلفيِّ عمومًا ومصنَّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة خصوصًا.
وشارك الشيخُ زهير فريقَ العمل في التحقيق العلميِّ والتصحيح، وقدَّم لكتب كثيرة، واستقطب إلى مكتبه أفاضلَ أهل العلم، منهم السادة العلماء: محمد ناصر الدين الألباني, وعبد القادر الأرناؤوط, وشعيب الأرناؤوط، ود. محمد بن لطفي الصبَّاغ, وصالح بن أحمد الشامي، ونزار الخاني، وإسماعيل الكِيلاني.
واعتمد في تحقيق كتب الفقه الحنبليِّ على عدد من الفقهاء على رأسهم: العلامة الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع, والشيخ عبد القادر الحتَّاوي (الدُّومي).
وجمع الشيخ مكتبةً ضخمة تعدُّ من كبرَيات المكتبات الخاصَّة في العالم العربيِّ، ضمَّت عشرات ألوف الكتب المطبوعة, وأكثر من عشَرة آلاف مخطوطة، فيها مصنَّفاتٌ كثيرة بخطوط مؤلفيها، ومئاتُ المخطوطات النادرة والفريدة التي لا يُعرَف نسخةٌ أخرى منها في العالم.
وتعدُّ سجلاَّت محفوظاته الخاصَّة (الأرشيف الشخصي) من أندر السجلاَّت وأثراها؛ بالرسائل والوثائق والصور وخطوط الأعلام والمشاهير.
يقول الشاويش عن هذا المكتب ودوره:- وجدت أن تحقيق كتب التراث أنفع للعباد من كثير من المؤلفات الحديثة، فعملت في إعداد وتحقيق العشرات من الكتب سواء بمفردي، أو بمساعدة عدد من أهل العلم، أو اقترحتها عليهم وقدمت لهم ما يعينهم في عملهم، ومن ثم الإشراف على طبعها، وفي عملي بصحاح السنن الأربعة وضعافها، التي طبعها مكتب التربية العربي لدول الخليج أيام إدارته من العالم الفاضل معالي الدكتور محمد الأحمد الرشيد، وتابعها خلفه، ما يشهد على التزامي بالمنهج العلمي الرصين.
بعض مؤلفاته
حقق الشيخ ما يقارب من 68 كتابا من كتب التراث وكان من أهم هذه الكتب:-
- الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية وتوحيد المذاهب/ تأليف محمد رشيد رضا؛ إشراف زهير الشاويش.
- إرواء الغليل فى تخريج أحاديث منار السبيل/ تأليف محمد ناصر الدين الألبانى؛ إشراف زهير الشاويش.
- منار السبيل فى شرح الدليل على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل/ تأليف إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان؛ تحقيق زهير الشاويش.
- الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل/ تأليف أبي محمد موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي؛ تحقيق زهير الشاويش.
- الإيمان/ تأليف ابن تيمية؛ خرج أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني؛ أشرف عليه زهير الشاويش.
- ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)/ تأليف محمد ناصر الدين الألباني؛ إشراف زهير الشاويش.
- المسائل الماردينية فى فقه الكتاب والسنة ورفع الحرج فى العبادات والمعاملات/ تأليف ابن تيمية؛ تحقيق زهير الشاويش. إن الحديث عن تراثنا له أهمية كبرى، فى حياة أمتنا لما له من أثر فى ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا
- الناسخ والمنسوخ من كتاب الله عز وجل/ تأليف هبة الله بن سلامة بن نصر المقري؛ تحقيق زهير الشاويش، محمد كنعان.
- "كتاب" الرد على الجهمية/ تأليف لأبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، تحقيق زهير الشاويش، تخريج محمد ناصر الألباني.
وفاته
في يوم السبت 22 من رجب 1434هـ الموافق1/6/2013م توفي فضيلة شيخنا الجليل المجاهد المعمَّر زهير الشاويش الدمشقي المَيداني، في مدينة بيروت، عن تسعين سنة، رحمه الله.
وشُيِّعت جنازتُه بعد صلاة ظهر يوم الأحد 23 من رجب 1434هـ، وكانت الصلاة عليه مشهودةً في مسجد (الخاشقجي) ببيروت، ودُفن في مدافن الأوقاف الجديدة.