مذكرات الدعوة والداعية (1-2)
بيانات الكتاب
-
مذكرات الدعوة والداعية للإمام الشهيد حسن “البنا” (1906- 1949م).
-
طبعته دور نشر متعددة وفي بلدان مختلفة.
-
طبعة القراءة الحالية: دار الشهاب 1966.
-
269 صفحة.
-
تقديم أبو الحسن على الندوي.
تقرير الكتاب
"مذكرات الدعوة والداعية" كتاب سيرة ذاتية ألفه الداعية حسن “البنا” المرشد العام المؤسس لجماعة "الإخوان المسلمين" -في ستين فصلا أو عنوانا- عن حياته ونشأته حتى تأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين، وقد قسم هذه المذكرات إلى قسمين:
أحدهما: عن حياته من سن الثامنة وحتى عودته من الإسماعيلية إلى القاهرة 1932 م. والآخر: عن فترة الدعوة بالقاهرة من 1932م.
كما قسم دعوة الإخوان إلى مرحلتين: إحداهما: مرحلة "تربية الأمة وتنبيه الشعب" وهي الفترة من 1928 – 1938 م. والأخرى: مرحلة "الكفاح السياسي" وهي ما تلا عام 1938. والفكرة الأساسية للكتاب هي "النزوع إلى الدعوة إلى الإسلام عبادة وقيادة، ودينا ودولة، وروحانية وعملا، وصلاة وجهادا، وطاعة وحكما، ومصحفا وسيفا" وقد قدم للكتاب الشيخ أبو الحسن الندوي.
أهمية الكتاب
قيمة الكتاب تتمثل في تأريخه لقيادة دينية اجتماعية تجديدية كونت حركة إسلامية واسعة الانتشار والتأثير في العالمين العربي والإسلامي, كما أن تلك الشخصية الإمام الشهيد "حسن البنا" يمثل في ذاته حركة تجديدية واعية جاءت استجابة للمتغيرات التي عاشها وعايشها منذ طفولته حتى شبابه ورشده واستشهاده.
مدرسة الرشاد الدينية
بدأ الكاتب بسرد ذكرياته عن الفترة التي كان فيها في سن الثامنة حتى الثانية عشرة، تلك الفترة التي قضاها في مدرسة الرشاد الدينية بالمحمودية، والتي أنشأها الشيخ محمد زهران في سنة 1915م تقريبا لتعليم النشء على صورة كتاتيب الإعانة الأهلية المنتشرة في ذلك العهد في القرى والريف، ولكنها في نهج المعاهد الرائعة التي تعتبر دار علم وعمل، وتربية على السواء ممتازة في مادتها وطريقتها، ولعل هذا التميز والابتكار في مناهج هذه المدرسة وفي طرق تدريسها من قبل مؤسسها كان من عوامل ارتباط “البنا” وتأثره بهذه المدرسة ومُنشئها، ولهذا لم يطق صبرا على البقاء بالمدرسة بعد انصراف الشيخ زهران عنها وعهده بها إلى غيره، ومن ناحية أخرى فإن تميز المدرسة –مناهج وطرق تدريس- قد انعكس على شخصية الكاتب وأثر في طريقة سيره في الحياة فيما بعد، على مستواه كمدرس أو كداعية.
إلى المدرسة الإعدادية
التحق “البنا” بالمدرسة الإعدادية التي أسست بها جمعية الأخلاق الحميدة وأسند إليه رئاستها، كانت لائحتها الداخلية تتلخص في "أن من شتم أخاه غرم مليماً واحدا، ومن شتم الوالد غرم مليمين.." وكأن هذا النشاط الداخلي لم يرض رغبة هؤلاء الناشئين في العمل للإصلاح فألفوا جمعية إسلامية باسم (جمعية منع المحرمات) لتوصيل خطابات لكل من يعرف عنه شيء من المآثم تنهاه عما يفعل.
إلى مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور
تقرر إلغاء نظام المدارس الإعدادية وتعديلها إلى مدارس ابتدائية فلم يكن أمام الطالب إلا أن يختار بين أن يتقدم إلى المعهد الديني بالإسكندرية ليكون أزهريا أو إلى مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ليختصر من الطريق ويكون بعد ثلاث سنوات معلما، وبعد أداء الامتحان التحريري والشفهي بنجاح، وأصبح طالباً بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور وهو في منتصف الرابعة عشرة.
الطريقة الحصافية
وفي سن الرابعة عشرة ارتبط “البنا” بالطريقة الحصافية، وأخذ يواظب على الوظيفة الروحية صباحا ومساء، ويذكر في ذلك قوله "وزادني بها إعجابا أن الوالد قد وضع عليها تعليقا لطيفا جاء فيه بأدلة صيغها جميعا تقريبا من الأحاديث الصحيحة وسمى هذه الرسالة تنوير الأفئدة الزكية بأدلة أذكار الرزوقية". يقول: "وكان أعظم ما أخذ بمجامع قلبي وملك علي لبي من سيرته -حسنين الحصافي شيخ الطريقة الأول- شدته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه كان لا يخشى في ذلك لومة لائم ولا يدع الأمر والنص مهما كان في حضرة كبير أو عظيم" وفي دمنهور تلقى الحصافية الشاذلية عن الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ وأدبه بأدوارها ووظائفها. وأسست في المحمودية جمعية إصلاحية هي "جمعية الحصافية الخيرية" لنشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، ومقاومة الإرسالية الإنجيلية التبشيرية. وقد كافحت الجمعية في سبيل رسالتها مكافحة مشكورة وخلفها في هذا الكفاح جمعية "الإخوان المسلمين" بعد ذلك.
رأي في التصوف
يرى “البنا” أن أزمة الدعوة الصوفية تشكلت على مرحلتين:
إحداهما: مرحلة تجاوزها "حد السلوك والتربية" -بعد العصور الأولى- إلى تحليل الأذواق والمواجد، ومزج ذلك بعلوم الفلسفة والمنطق ومواريث الأمم الماضية وأفكارها، فخلطت بذلك الدين بما ليس منه، وفتحت الثغرات الواسعة لكل زنديق أو ملحد أو فاسد الرأي والعقيدة ليدخل من هذا الباب باسم التصوف.
والأخرى: مرحلة التشكل العملي للفكرة، فنشأت فرق الصوفية وطوائفهم، كل على حسب أسلوبه في التربية. وتدخلت السياسة بعد ذلك لتتخذ من هذه التشكيلات تكئة عند اللزوم، ونظمت الطوائف أحيانا على هيئة النظم العسكرية، وأخرى على هيئة الجمعيات الخاصة.. حتى انتهت إلى ما انتهت إليه من هذه الصورة الأثرية التي جمعت بقية ألوان هذا التاريخ الطويل، والتي ممثلها الآن في مصر مشيخة الطرق الصوفية ورجالها وأتباعها. ويرى أن لا حل لهذه الأزمة إلا في التقاء قوة الأزهر العلمية بقوة الطرق الروحية بقوة الجماعات الإسلامية العملية.
الحركة الوطنية
قامت ثورة 1919 م و“البنا” إذ ذاك تلميذ بالإعدادية بالمحمودية في سن الثالثة عشرة. وتابع حينها المظاهرات الجامعة والإضراب الشامل الذي كان ينتظم البلد وشارك حتى وهو في دمنهور في هذا النشاط الوطني يقول: "كنت رغم اشتغالي بالتصوف والتعبد أعتقد أن الخدمة الوطنية جهاد مفروض لا مناص منه. فكنت ملزما بأن أقوم بدور بارز في هذه الحركات وكذلك كان".
رأي في العلم والشهادات
يشرح “البنا” وجهة نظره –في فترة تقدمه لامتحانات دار العلوم- في العلم والشهادات: "كان لي في هذه الأيام رأي في العلم وطلبه والشهادات والحصول عليها، كان أثراً من آثار مطالعتي للإحياء: لقد كنت محباً للعلم حباً جماً، وكنت شديد الميل إلى القراءة والاستزادة من العلم، ولكن طريقة الغزالي وأسلوبه في ترتيب العلوم والمعارف وطلب العلم كانت قد أثرت في نفسي تأثيرا شديداً فكنت في صراع عنيف: هذه الرغبة الملحة تدعوني إلى الاستزادة من طلب العلم، وإرشادات الإمام الغزالي، وتعريفه العلم الواجب بأنه العلم المحتاج إليه في أداء الفرائض وكسب العيش، ثم الانصراف بعد ذلك إلى العمل، تدعوني إلى الأخذ بالضروري وترك ما سواه.
تقدم إلى امتحان دار العلوم، وبعد قليل أدى امتحان كفاءة التعليم الأولى. وظهرت النتيجة فكان الأول في المدرسة، والخامس في القطر وظهرت نتيجة امتحان دار العلوم فكان من الناجحين المتقدمين الذين يصرف لهم جنيه شهريا من المدرسة ليواصل دراسته. وبعد مضي يومين من امتحانات آخر العام اعتدى عليه أحد زملائه لتنتقل الأسرة كلها بعد ذلك لتعيش إلى جواره بالقاهرة. لكن هذا الانتقال حرمه من أعز صديق هو أحمد أفندي السكري، ما دفعه إلى أن يطلب من والده الإذن له باستئجار دكان لتصليح الساعات في الإجازة الصيفية بحجة التمرن تمريناً عملياً استقلالياً على الصنعة. وكان الوالد يعلم السبب الحقيقي، ومع هذا سمح له بالسفر، وفتحت "ليشتغل بإصلاح الساعات، وليتذوق سعادة الكسب من عمل اليد، وسعادة الاجتماع بالأخ أحمد أفندي وقضاء الوقت معه ومع الحصافية وقضاء ليالي هذه الإجازة معهم في ذكر الله".
فكرة تكوين دعاة إسلاميين
اكتشف “البنا” أن مواجهة مظاهر التحلل في القاهرة لا يجدي معها الوعظ في المساجد فقط، فقام بتكوين فئة من الطلاب الأزهريين والدرعميين للتدرب على الوعظ في المساجد ثم في القهاوي والمجتمعات العامة، ثم تكون منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والريف والمدن الهامة لنشر الدعوة، وخلافا لزملائه فقد كان يعتقد أن جمهور القهاوي أكثر استعدادا لسماع العظات من أي جمهور آخر حتى جمهور المسجد نفسه. والعبرة بحسن اختيار الموضوع وطريقة العرض والوقت. وفي أول ليلة لهذه التجربة الإبداعية يلقي “البنا” أكثر من عشرين خطبة تستغرق الواحدة منها ما بين خمس دقائق إلى عشرة، وسط إعجاب هذا الجمهور.
موجة الإلحاد والإباحية في مصر
عقب الحرب العالمية الأولى "1914 - 1918" وفي هذه الفترة التي قضاها “البنا” بالقاهرة، اشتد تيار موجة التحلل في النفوس وفي الآراء والأفكار باسم التحرر العقلي، ثم في المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي، فكانت موجة إلحاد وإباحية قوية جارفة طاغية.
التقى“البنا” بالشيخ يوسف الدجوي وما زال به حتى قام –بمشاركة الحضور- بحصر أسماء من يُتوسم فيهم الغيرة على الدين، من ذوي العلم والوجاهة والمنزلة، ونتج عن ذلك ظهور مجلة "الفتح" الإسلامية القوية التي آل تحريرها وإدارتها إلي "محب الدين الخطيب" وظلت هذه النخبة تعمل حتى كونت هذه الحركات "جمعية الشبان المسلمين" فيما بعد.