راشد الغنوشي مفكر وسياسي إسلامي تونسي، من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي التي غيرت اسمها لاحقا إلى حركة النهضة، حوكم أكثر من مرة بسبب نشاطه الدعوي والسياسي، عاش نحو عقدين في المنفى بالعاصمة البريطانية لندن، ثم عاد إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي عام 2011، وأسهم مع حركته في تذليل عقبات المرحلة الانتقالية بعد فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي.

النشأة والتعليم

ولد راشد الغنوشي عام 1941 في قرية الحامة التابعة لولاية قابس بالجنوب التونسي، لأسرة محافظة تشتغل بالفلاحة، تلقى الغنوشي تعليمه الابتدائي في قرية الحامة، ودرس المرحلة الإعدادية والثانوية في مدينة قابس، وبعد أن حصل على شهادة من مدرسة قرآنية انتقل إلى تونس العاصمة لمواصلة دراساته في جامعة الزيتونة، حيث حصل على شهادة في أصول الدين، سافر عام 1964 إلى مصر لإتمام دراسته في الزراعة بجامعة القاهرة، لكن الصراع بين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف جعل السفارة التونسية في القاهرة تمنع الطلبة التونسيين من البقاء في مصر، فانتقل بعدها إلى دمشق وحصل فيها على الإجازة (البكالوريوس) في الفلسفة عام 1968. ثم ذهب بعدها في رحلة مدتها ستة أشهر إلى أوروبا، فزار تركيا وبلغاريا ويوغسلافيا والنمسا وألمانيا وفرنسا، حيث التقى مع فرانسوا بورغا، ولم يتيسر له استكمال دراسته في جامعة السوربون فعاد إلى تونس.

الوظائف

اشتغل الغنوشي في التدريس مدة من الزمن، وشارك في تأسيس عدد من الهيئات، مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي (1971)، والمؤتمر القومي الإسلامي الذي يجمع بين التيار القومي العربي والتيار الإسلامي، وساهم في تأسيس حلقة الأصالة والتقدم المهتمة بالحوار الإسلامي المسيحي، وهو عضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

التوجه الفكري

أعجب الغنوشي في الستينيات بتجربة عبد الناصر القومية، وبدأ نشاطه الإسلامي في فرنسا وسط الطلبة العرب والمسلمين، وقرأ كتب سيد قطب ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي ومحمد إقبال ومالك بن نبي وأبو حامد الغزالي وابن تيمية، وتعرف على جماعة الدعوة والتبليغ، ونشط معها في أوساط العمال من شمال أفريقيا. لما عاد إلى تونس في نهاية الستينيات بدأ نشاطه الدعوي وسط الطلاب وتلاميذ المعاهد الثانوية الذين تشكلت منهم حركة الاتجاه الإسلامي، التي سميت فيما بعد بـ"حركة النهضة". أسهم بخطبه ودروسه ومقالاته وكتبه ومحاضراته في دعم الخط المعتدل والوسطي في الحركة الإسلامية داخل تونس وخارجها، وساهم في زعزعة عدد من القناعات التقليدية حول قضايا دينية وفكرية وسياسية وتصحيحها، كحقوق المواطنة والحريات العامة والديمقراطية والعلمانية وغيرها.

التجربة السياسية

عاد الغنوشي إلى تونس في نهاية عام 1960 ووجد الرئيس الحبيب بورقيبة يتخذ تدابير متعددة لعلمنة المجتمع التونسي، مع دعم الدراسة الدينية في النظام التعليمي لمواجهة التوجهات الماركسية. وشارك في جمعية المحافظة على القرآن رفقة عبد الفتاح مورو وأحميدة النيفر وحبيب المكني وصالح كركر، الذين أسسوا فيما بعد الجماعة الإسلامية في أبريل/نيسان 1972 في مدينة المرناق جنوب غرب تونس، وكانت المجموعة المذكورة نواة حركة الاتجاه الإسلامي، حيث بدأت التواصل مع المجتمع والنخبة من خلال صحيفة المعرفة (التي صدرت عام 1974) التي اتهم الغنوشي من خلالها الرئيس الحبيب بورقيبة بمحاولة تركيز العلمانية في تونس بمحاربته الإسلام. اعتقل الغنوشي وحوكم مرات عديدة، فحكم عليه أول مرة بالسجن 11 سنة، قضى منها ثلاث سنوات (1981-1984) وخرج بعفو عام، فعاد للاحتجاجات والنشاط السياسي، فحكم عليه للمرة الثانية بالأعمال الشاقة والسجن المؤبد عام 1987، وهو ما اعتبره بورقيبة غير كاف وطالب بمعاقبته بالإعدام. 

حال انقلاب زين العابدين بن علي يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 دون تنفيذ الحكم، وأطلق سراحه في 14 مايو/أيار 1988. ندد الغنوشي بالعنف وأكد أن الإسلاميين لن يخترقوا الجيش والشرطة واعترف بقانونية مجلة الأحوال الشخصية واعتبرها في المجمل "إطارا نقيا ينظم العلاقات العائلية"، وقدم في بداية 1989 طلب الترخيص القانوني لحركة الاتجاه الإسلامي لكنه قوبل بالرفض. ساءت العلاقة مع النظام الجديد حينها، فغادر تونس في 11 أبريل/نيسان 1989 إلى الجزائر بعدما حكمت عليه المحكمة العسكرية مع قيادات أخرى بالسجن المؤبد بتهمة "التآمر" ضد رئيس الدولة، وانتقل بعدها إلى السودان حيث حصل على جواز سفر سوداني دبلوماسي. أصبح رئيسا لحركة النهضة عام 1991 بعد استقراره في مدينة أكتون بضواحي العاصمة البريطانية لندن، حيث حصل في أغسطس/آب 1993 على حق اللجوء السياسي. أعيد انتخابه عام 2007 رئيسا لحركة النهضة،

وبعد 21 عاما في المنفى عاد إلى تونس يوم 30 يناير/كانون الثاني 2011 بعد ثورة التونسيين وإسقاط بن علي، ووجد في استقباله عشرات الآلاف من أنصار الحركة في مطار تونس قرطاج الدولي. بعد فوز "النهضة" في انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 بتسعين مقعدا في المجلس التأسيسي من أصل 217 مقعدا، رفض أن يتولى أو يترشح لأي منصب، وتمَّ ترشيح حمادي الجبالي لرئاسة الحكومة التونسية الجديدة. ساهم بعلاقاته وحواراته مع مختلف الأطراف السياسية التونسية في حلحلة بعض الإشكالات السياسية والفكرية المعقدة التي كادت تربك المرحلة الانتقالية، من قبيل مسألة تطبيق الشريعة وكونها مصدرا للتشريع أثناء كتابة الدستور الجديد وغيرها. وفي الانتخابات التشريعية التي نظمت في أكتوبر/تشرين الأول 2014، حل حزب حركة النهضة في المركز الثاني بعد حزب حركة نداء تونس الذي تصدر المشهد السياسي. ويوم 22 مايو/أيار 2016 أعاد المؤتمر العاشر لحركة النهضة انتخاب راشد الغنوشي مجددا رئيسا للحركة.

مؤلفاته

كتب الغنوشي عشرات المقالات الفكرية والسياسية، وألف كتبا عديدة دعمت خط الاعتدال والانفتاح في صفوف الحركة الإسلامية، ورفع اللبس عند كثير من خصومها بخصوص عدد من القضايا من قبيل الديمقراطية وحقوق المواطنة وغيرها. من كتبه: "حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية"، و"الحريات العامة في الدولة الإسلامية"، و"المرأة بين القرآن وواقع المسلمين"، و"مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني"، و"الحركة الإسلامية ومسألة التغيير"، مسيرة الصحوة الإسلامية نقد وتقويم، طريقنا إلى الحضارة، نحن والغرب، حق الاختلاف وواجب وحدة الصف، القضية الفلسطينية في مفترق الطرق، حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية، من الفكر الإسلامي بتونس، القدر عند ابن تيمية، من تجربة الحركة الإسلامية في تونس، تمرد على الصمت ترجمت بعض كتبه إلى لغات أجنبية عديدة أبرزها الإنجليزية والفرنسية.

إطلالة على فكر راشد الغنوشي 

يمثل الشيخ راشد الغنوشى نموذح الفكر الإسلامى التقدمى المستنير وربما ساهمت الفترة الطويلة التى عاشها بالغرب فى تطور فكره السياسى بصورة كبيرة، فركزت معظم كتاباته حول مفهوم الحريات والديمقراطية والعلاقة مع الآخر، ويؤكد على تواصله مع تيار الإصلاح الإسلامي، الذي بدأه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وغيرهما، مرتئيا أن الإسلام هو الشرط الوحيد لتجديد حياة المسلمين، ويكثر الغنوشى الحديث عن حرية الاعتقاد إلى حد السماح لغير المسلمين في الدولة الإسلامية "بانتقاد الدين الإسلامي".

المجتمع المدني 

يعتبر الغنوشي أن مركز الثقل في البناء الاجتماعي الإسلامي المجتمع لا الدولة، وأن الهدف المركزي للحركة الإسلامية دائما بناء المجتمع الأهلي عبر بناء الفرد المؤمن والجماعة المستخلفة عن الله، ولإقامة التوازن يرى ضرورة "تقليم أظافر الدولة التسلطية، واستئناسها بعد توحش، وإحداث انقلاب في موازين الصراع لصالح الأفراد وكراماتهم".(1)

الموقف من العلمانية والعلمانيين

يقسم الغنوشي العلمانيين إلى فريقين، متطرف ومعتدل، يرى في المتطرفين فريقا عميلا ومنافقا في رأيه، وهم يستلهمون مرجعية فكر الأنوار وخلفائه الماركسيين، "ممن لا يرون في الدين غير كونه وهما وملاذا للعاجزين، وأداة استغلال في يد أصحاب النفوذ للضعفاء والمساكين، وهو تيار لا شأن له بالإصلاح الإسلامي، لأنه خارج الدائرة جملة، حتى وإن اضطره صعود المد الإسلامي للهروب من لافتة الشيوعية والتخفي تحت لافتة الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وكان تحوله هذا بسرعة البرق على إثر سقوط الإمبراطورية الشيوعية، بما يجعله امتدادا لمدرسة النفاق التي برزت تاريخيا إثر انتصار الإسلام"(2).

الموقف من الغرب

يرى الغنوشي أن تأثير جماعات الإرهاب يشوه صورة الإسلام هناك، ويسبب العديد من المشاكل لهذا الوجود، يقول الغنوشي: "يضاعف من مشاكل المسلمين تصاعد تأثير جماعات الإرهاب على صورة الإسلام عامة، وعلى الأقليات المسلمة بشكل خاص، بما يكاد يجعل من كل مسلم في الغرب مشروع إرهابي يخشى منه". وهو ما يزيد من أثره على حد قول الغنوشي: "غياب نماذج مجتمعية إسلامية تشهد لعدالة الإسلام ورحمته وقدرته على استيعاب كل كسب حضاري، بما يرجح صورة الإسلام الخطر، والربط بينه وبين الإرهاب والعداوة للفنون الجميلة وللديمقراطية وللسلام ولحرية المرأة ولحقوق الإنسان، بما هو الضد من كل وجه، والدين إنما جاء لمصالح العباد وتتميم مكارم الأخلاق واعتبار البشر كلهم إخوة"(3). ويشدد الغنوشي على تطوير الخطاب الإسلامي الموجود في الغرب قائلا: "الخطاب الإسلامي في الغرب مطلوب أن يتطور في كل اتجاه، في اتجاه إسلامي جامع لكل مكونات هذا الوجود، متجاوزا الحدود القطرية والاختلافات الحزبية والمذهبية باحثا عن الإجماع"(4).