أديب وداعية ومفكر إسلامي، أحد أشهر أعلام القرن العشرين، وأشدهم تأثيرا في شباب الحركة الإسلامية المعاصرة، عاش حياة حافلة بالعطاء، أثرى خلالها المكتبة الإسلامية بعشرات المؤلفات، ومئات المقالات، وترك بصمة في واقع العمل الإسلامي ما زالت تشهد له، وخاض غمار معارك سياسية طاحنة، انتهت بإعدامه في الستينيات على يد من أقسم يوما أن يفديه بحياته.

مولده ونشأته

ولد سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي في التاسع من أكتوبر عام 1906، في قرية موشا التابعة لمحافظة أسيوط بمصر، في أسرة محافظة، عرفت بالالتزام والتدين، وكانت ميسورة الحال، رفيعة المنزلة بين أهل القرية، فقد جمع أفرادها بين الوجاهة الريفية والرقي العلمي.

وكان لوالده مكانة عند الناس، زادها كرمه الواسع على أهل القرية، وإحياؤه الحفلات الإيمانية القرآنية في المواسم، وتقديم الولائم لأهل القرية، ومحبة عظيمة في قلوب أهله، حيث كان يقوم على خدمتهم، حتى في شراء الخضار والفواكه بنفسه، برغم مكانته الاجتماعية بين أهل القرية.

مسيرته العلمية

عاش سيد قطب حياته الأولى في قريته، التحق بالمدرسة الابتدائية 1912 وتخرج منها 1918، ثم انقطع عن الدراسة لعامين بسبب ثورة 1919، وقد شارك فيها بإعداد الخطب والأبيات الشعرية والكلمات الثورية، وإلقائها في المساجد والتجمعات العامة لأهل قريته وما حولها، ثم سافر إلى القاهرة عام 1920، وأقام في حي الزيتون، عند خاله أحمد عثمان، والذي كان سببا في تعرفه على حزب الوفد.

التحق قطب بمدرسة المعلمين الأولية عام 1922، ونال منها إجازة الكفاءة، ثم التحق بتجهيزية دار العلوم عام 1925، والتي كانت مخصصة للمتفوقين تؤهلهم للالتحاق بكلية دار العلوم، فدرس فيها العلوم الشرعية والعربية والمنطق وعلم الكلام والفلسفة واللغة العربية، واللغة السريانية ومقارنتها باللغة العربية، والتاريخ والاقتصاد السياسي، وغيرها من المواد الأخرى، وحصل على شهادة البكالوريوس في الآداب عام 1933. 

حياته العملية

عمل أول ما عمل مدرسا في مدارس وزارة المعارف بالقاهرة ديسمبر 1933، ثم انتقل منها إلى دمياط، وبعدها إلى بني سويف، ثم استقر به الأمر في حلوان وقضى بها بقية عمره، وبعد أن أتم بمهنة التدريس ما يقارب ست سنوات، انتقل إلى وزارة المعارف وشغل فيها عدة وظائف إدارية، ثم سافر إلى أمريكا بعدما أوفدته الوزارة في بعثة تربوية للاطلاع على مناهج التربية والتعليم في أمريكا، وعاد منها بعد سنتين عام 1950، ثم استقال من الوزارة بعد قيام ثورة 1952 بشهور قليلة، بعد تسعة عشر عاما من الخدمة، على أثر خلافات وقعت بينه وبين كبار موظفيها.

توجهه الفكري

انتظم قطب مع حزب الوفد حتى عام 1942، وكان من أعلام الكُتاب في صحفه ومجلاته، بمقالاته وأبحاثه وقصائده، وبعدها أمضى عشر سنوات بلا انتماء فكري أو تنظيمي أو حزبي، حتى انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في العام 1953، وبقي منتميا إليها حتى استشهاده، وقد كان انتماؤه لها على مرحلتين، أولاهما: إعجابه بها وبأفكارها وكيانها وعملها وأثرها في المجتمع، فبات محبا لفكرتها متعمقا في التعرف عليها، ثم تحول بعدها إلى الانضمام الرسمي للجماعة، وكانت هذه هي مرحلة انتمائه الثانية، وكانت بوادر الخلاف مع الضباط قد باتت تتطفو على السطح.

اهتماماته

كان مغرما بالأدب، ومارس وظيفته الأدبية النقدية لسنوات، أثرى خلالها المكتبة الأدبية بمقالاته وكتبه، ونظم القصائد الشعرية في ديوان نشره فيما بعد.

في الأربعينيات من عمره أقبل على القرآن، فدرسه دراسة أدبية نقدية، ومنها راح يدرس الإسلام دراسة فكرية، وقد ساهم ارتباطه بالقرآن والفكر الإسلامي في نقله إلى ميدان العمل الإسلامي والدعوي، حتى أصبح داعية مخضرما، ومفكرا ألمعيا.

ميراثه الفكري

بدأت صلة قطب رحمه الله بالصحف والمجلات مبكرا، فقد كان خاله صحفيا، فراسل الصحف، ونُشر له أول مقال في جريدة البلاغ اليومية عام 1922وعمره يومها ستة عشر عاما، وبقيت علاقته بالصحف منذ هذا اليوم دائمة متصلة دون انقطاع، وقد كان يعمل في بعضها، ويتقاضى عن كتاباته راتبا، وتولى مهمة رئيس تحرير أخرى، وفي كل له مقالات أدبية وفكرية، تنم عن عقل وفكر رشيد، حتى وقع انقلاب الضباط على الثورة والثوار.

كانت علاقته بالأدباء والكتاب في زمانه قوية مبنية على المحبة والاحترام، والملكة الأدبية العالية، كالعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، وغيرهم من الأدباء والكتاب، وكان أول من بشر بنجيب محفوظ، وتفاءل له بما وصل إليه بعد، وقد خلف سيد قطب للمكتبة الدعوية والأدبية، ميراثا عظيما من مؤلفاته بلغ تسعة وعشرين كتابا في الأدب والفكر الإسلامي، كان لجميعها الأثر، وبعضها أثار جدلا واسعا بين المثقفين، ومختلفي تيارات الحركة الإسلامية.

وكان أول ما صدر من مؤلفاته كتابه: التصوير الفني في القرآن الكريم" عام 1945، ويعد كتابه "في ظلال القرآن" أعظم كتاباته قيمة، وأرفعها منزلة، وأكثرها انتشارا، وهو الكتاب الذي نقل قطب إلى ساحة أعظم رواد الفكر الإسلامي المعاصر، وأذاع في العالم الإسلامي شهرته.

ميوله الثورية ومحنته

كان سيد قطب من أنصار الثورة ودعاتها، ساعد في التخطيط لها، وعمل مع رجالها أول عهدها، إلى أن فارقهم بعدما رآها قد حادت عن المتفق عليه، وقد جعله هذا في مرمى نيران رجال الثورة، والذين كانوا يُعَدون من قبل تلامذته أو شركاء في الثورة على الأقل، فصار ما بين السجن والتعذيب، حتى تم إعدامه.

لقد كانت قيادة سيد لتنظيم الإخوان قيادة فكرية وثقافية، أكثر منها قيادة تنظيمية إدارية، كان بمثابة الأب الروحي لهم، وخاصة فترة المحنة مع الضباط، ولما تأزم الخلاف بين الضباط والإخوان وعلى رأسهم سيد قطب.

وبعد أن بان انحراف الثورة عن المسار الذي رُسم لها من قبل، وقد تغير عبد الناصر على كل من وقف في وجه رغبته في الحكم، فاختفى عبد الناصر الوطني الثوري، وظهر في الأفق شبح عبد الناصر يلوح بالبطش والبغي والكذب والظلم، وكراهية الحق ودعاة الإسلام، فكان لابد من الفراق والانفصال وترك المناصب والمراكز ابتغاء نصرة الحق، ففارقهم وراح يناهض بقلمه هذا الانحراف داعيا إياهم إلى العودة إلى المسار الصحيح، فما كان منهم إلا أن منعوه فترة من النشر، وأغلقوا في وجهه كل أبواب الصحف. 

ثم في يناير 1954 اعتُقل سيد قطب لأول مرة، مع عدد كبير من قيادات الإخوان المسلمين، واستمر اعتقاله ثلاثة أشهر ثم أفرج عنه، وما مر من الوقت الكثير حتى أُعيد اعتقاله في أكتوبر من العام نفسه بعد حادثة المنشية، مع ألوف مؤلفة من جماعة الإخوان المسلمين، الذين اتهموا بمحاولة اغتيال عبد الناصر، وعلى أثرها قُدم للمحاكمة عام 1955، وحُكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما، إلا أن عبد الناصر أفرج عنه بعفو صحي في العام 1964، بعد تدخل الرئيس العراقي عبد السلام عارف.

ولم يمر على خروجه من السجن عام، حتى أعاد عبد الناصر اعتقاله مرة ثالثة في أغسطس عام 1965، بعدما أعلن من موسكو اكتشافه لمؤامرة، يدبرها الإخوان المسلمون بقيادة سيد قطب، تهدف إلى اغتياله وقلب نظام الحكم، وعلى أثر ذلك قُدم للمحاكمة مرة أخرى عام 1966، وأصدر محمد فؤاد الدجوي عليه حكم الإعدام.

لم يكن الحكم مفاجئا له، فلقد كان يقول لمن حوله إذا سألوه، تتوقع بم يحكم عليك؟ يقول لقد طلبت الحكومة رأسي، وأنا لست نادما لذلك ولا متأسفا لوفاتي، وإنما أنا سعيد للموت في سبيل دعوتي، وسيقرر المؤرخون في المستقبل من كان على الحق، الإخوان أم النظام.

وتم تنفيذ حكم الإعدام فيه، هو ومحمد يوسف هواش، وعبد الفتاح إسماعيل، بعد أسبوع من إصدار الحكم ليلة التاسع والعشرين من أغسطس عام 1966 ليكون أسرع حكم نفذ في تاريخ المحاكم، ليقطع عبد الناصر بذلك عن سيد قطب الطريق على أي وساطة رسمية أو غير رسمية، لكنه لم يقطع الطريق على شيوع فكرته، وبقاء سيرته العطرة رحمة الله عليه.