اسم الكتاب: الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر

المؤلف: طارق البشري

الناشر: دار الشروق- القاهرة

الطبعة: الأولى

سنة الطبع: 1417هـ= 1996م

عدد الصفحات: 100

ملامح الفكر السياسي الإسلامي المعاصر (2-3)

تناول طارق البشري في كتابه "الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر" الحديث، فكر سيد قطب، وموقفه من ظاهرة الغلو، ومحاولات بعض المثقفين من ذوي الاتجاهات العلمانية ربط الغلو بالظاهرة الدينية، دون فهم لدور التغريب في نشأة مدرسة الاعتدال.

سيد قطب.. الفكر والسياق

دعا الكتاب إلى ضرورة فهم السياق الذي ظهر فيه سيد قطب، وتولدت فيه أفكاره، قبل تقييم الرجل وإصدار الأحكام عليه بالغلو أو التطرف، لأن الغلو أو التطرف أو الاعتدال يكون دائما منسوبا لوضع وسياق معين، والقاعدة أن الفكرة يتغير مفادها ومؤداها بتغير الظروف التي تعمل فيها. ظهر فكر سيد قطب في الخمسينيات والستينيات، تلك الفترة التي كانت فيها مدرسة الاعتدال مضروبة في رجالها وتنظيمها، وكان الفكر الإسلامي مستبعدا من المشاركة في تحديد المفاهيم السياسية والاجتماعية السائدة، فغلب الفكر العلماني على صياغة مجمل الأفكار والنظم والمؤسسات ورؤى المستقبل، واكتسب النموذج الغربي قدرا كبيرا من السيادة في القيم السياسية، وتحت هذا الركام ظهر وميض تمثل في فكر سيد قطب. كان سيد قطب يؤكد على مفهوم الحاكمية، وأن عقيدة الإسلام لا تتحقق بمجرد القيام بالعبادات، فالتشريع لا ينفصل عن الإيمان، ورغم أن هذه الأفكار كانت سائدة وموجودة في الفكر الإسلامي إلا أن سيد قطب أقام هذا الفكر على المجانبة والمغايرة، إذ لم يكن يقيم حوارا مع الأفكار الأخرى. 

اعتبر قطب أن دعوته للحاكمية تهدف لإنشاء الدين إنشاء، فهي دعوة لاعتناق عقيدة الإسلام من جديد، حتى ولو كان هؤلاء الناس يدعون أنفسهم مسلمين، لذا اعتبر موضوع تجديد الدين موضوعا مرجأ، لأنه لا تجديد قبل أن يُوجد الإسلام. وأشار الكتاب أن سيد قطب صاحب فكر يختلف اختلافا كبيرا عن حسن البنا، فالبنا فكره فكر انتشار وذيوع وارتباط بالناس عامة، فهو فكر توثيق العرى، أما فكر سيد قطب فهو فكر مجانبة ومفاصلة، وفكر امتناع عن الآخرين.. كان فكر حسن البنا فكرا يزرع أرضا، وينثر حبا، ويسقي شجرا، وينتشر مع الشمس والهواء، أما فكر سيد قطب فهو يحفر خندقا، ويبني قلاعا عالية الأسوار سامقة الأبراج، والفرق بين الفكرين هو الفرق بين السلم والحرب. 

والحقيقة أن سيد قطب لم يكن من رجال المغالاة الفكرية في الأربعينيات وبداية الخمسينيات، ولكن الظروف السياسية للخمسينيات والستينيات، والظروف التي خضعت لها تجربته الفكرية وملكاته كل ذلك اجتمع ليخرج فكرا يصبح النواة الأساسية التي استقت منها بعض الجماعات المتطرفة أفكارها، إذ إن فكر المفكر لا يقف عند حدود قصده ومشيئته، إنما يمتد ويتفاعل في موجات لم يرسم ذلك المفكر حدودها، ولا يستطيع السيطرة عليها.

الغلو صنو التغريب

ولكن ما هو دور التغريب في صناعة الغلو؟ ..مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظهر ما يمكن تسميته بـ"الوطنية العلمانية"، التي قادت الحركة الوطنية، وانطبع مشروعها للاستقلال السياسي بنماذج البناء الحضارية الغربية، وهنا بدا الأمر أن العلمانية والتغريب منتصران، فأصبحت هناك شرعية مجتمعية لهذا التيار، وهو ما خلق صراعا مع مدرسة الاعتدال التي كانت تشهد بداية تشكلها في المجتمع، ومعنى ذلك أن حركة التغريب تزامنت مع ظهور مدرسة الاعتدال، فتصاعدا معا، وتصارعا بعد ذلك وتعددت صداماتهما. فقيام مدرسة الاعتدال كان بسبب هجمة التغريب، ويمكن القول أن الغلو في التغريب ولد الغلو الديني، فقد ظهرت رواد مدرسة الاعتدال السياسية في وقت كانت الحركة الوطنية السياسية قد انفصلت بقيادتها عن حركة المقاومة الفكرية والحضارية للوافد الأجنبي، فاستوجب هذا الميدان عملا آخر وقادة آخرين.

وضرب الكتاب مثلا عن دور التغريب في استفزاز الهوية وإيجاد الغلو، بالشيخ علي الغاياتي ذلك الشاب الوطني والشاعر، الذي انضم إلى الحركة الوطنية، وتعرض للتضييق فهرب إلى سويسرا وقضى فيها سبعة وعشرين عاما، تزوج خلالها من فرنسية، ومارس الصحافة وصار معروفا في الدوائر الثقافية والصحفية الأوروبية، وعندما عاد إلى مصر عام (1937) لبس زيه الأزهري، وألزم زوجته الفرنسية الحجاب، وفسر البعض موقف الغاياتي هذا بأنه حركة عكسية أمام حالة التغريب التي انتشرت في مصر والتي أفسدت الأخلاق وأضعفت روح الدين والالتزام به، إذ وجد الغاياتي أمامه نسخة مشوهة ومقلدة من أوروبا، فرفضها، وعاد إلى هويته متمسكا بها. وفرق الكتاب بين التطرف والعنف، فرأى أن التطرف هو غلو يتعلق بحجم التغيرات المطلوبة ونوعها، كما يتعلق بمدى العجلة في تحقيقها، أما العنف فهو وسيلة لتحقيق الأهداف، وقد عرف التاريخ المصري العنف الذي استخدمته التنظيمات المتطرفة والجماعات المعارضة في ظل عدم التناسب بين حجم معارضتها للنظام السياسي والإمكانات المحدودة لظهورها من خلال المؤسسات الشرعية، فالعنف ظهر في مصر في سنوات (1910-1912-1919-1946-1948) وهي بعينها الفترات التي لم تُتح المؤسسات الرسمية والشرعية فيها للمعارضة إمكانات الظهور والتأثير بالقدر المناسب لحجم المعارضة في الواقع. ومن هنا فتيار الغلو ليس لصيقا بالفكرة الإسلامية، لأن غالبية التيارات السياسية عرفت الغلو والعنف والاعتدال، ويرتبط ذلك كله بالسياق الاجتماعي والسياسي، وحسب ما يكفله المجتمع لهذا التيار من إمكانات التعبير عن نفسه ومشروعه، وبمقدار ما يوفر له من قنوات مشروعة تتفق مع حجمه في المجتمع ليتحرك فيها علنا.

ويلفت الكتاب النظر إلى قضية مهمة في تفسير سبب الغلو الديني، إذ يرى أن الفقر، وهزيمة 1967، أو العنف الذي تعرض له أتباع التيار الديني في السجون، ليست كافية لتفسر الغلو، وإنما ما يستطيع أن يفسر الغلو الديني هو الغلو في التغريب، ومن هنا فالغلو لن يدرك معزولا عن البيئة التي يتحرك فيها، أو الأسباب التي أنتجته، لأن ذلك يفسد التحليل ويضلل الرؤية، ومن ثم سيبقى الغلو بدرجات وأشكال متنوعة وعلى فترات ممتدة أو متقطعة، ما بقيت هيمنة التغريب، ولن يضعف إلا بضعفها. وفيما يتعلق بموقف مدرسة الاعتدال من الأقليات، أشار الكتاب أن الفكر الإسلامي خطا خطوات كبيرة في الجانب الفكري والفقهي المتعلق بغير المسلمين في المجتمع المسلم، فتيار الاعتدال هو التيار الذي له الثقل في مدرسة الاعتدال، بل هو التيار الرئيسي الذي يصوغ الفكر الإسلامي في هذا الجانب.

 

اقتباسات

- الفكر ماء الحياة، وماء الحياة الذي يلزم لجماعة مفتوحة تعمل لنشر دعوتها بين العامة، ليس كماء الحياة الذي يلزم جماعة أعدت نفسها لتكون كتيبة صدام وعضلة امتناع ومقاومة، وليس بناء المجلس النيابي كبناء الجيش.

- الغلو واستخدام العنف لهما من الرنين وإثارة الضجيج وجذب الانتباه وشحذ الأعصاب، ما يجعل الشعور بهما من الناحية الاجتماعية شعورا قويا يوهم بأنه الاتجاه الغالب.

- يشيع البعض أن الإسلامية السياسية تنتج عنفا بطبيعتها، وهذا غير صحيح، خاصة من الناحية العلمية المنهجية، فإن كل تيار فكري سياسي فيه إمكانات اعتدال وإمكانات تطرف، وجدنا ذلك في الحركة الوطنية، ووجدناه في الحركة القومية، وفي الحركة الاشتراكية.