بيانات الكتاب:

كتاب "نقد العقل المسلم.. الأزمة والمخرج" لمؤلفه: عبد الحليم أبوشقة (1924 – 1995 م). تقديم: د. محمد عمارة. طبعة دار القلم بالكويت. الطبعة الثانية، 2005 م.

تقرير الكتاب:

يقع الكتاب في 220 صفحة، وقسمه الكاتب إلى ثلاثة فصول، والفكرة الأساسية للكتاب تدور حول تشخيص أزمة العقل المسلم في البحث ومنهجية التفكير، وتقديم سبل الخروج من هذه الأزمة".

أهمية الكتاب:

يعد الكتاب "أطواق نجاة للعقل المسلم المعاصر من حالة التردي والتخبط والإحباط، فلا يكاد مرض من أمراض حياتنا الفكرية ولا عاهة من عاهات مناهج التفكير السائدة إلا وقد أحصاه، ثم أشار إلى طرق العلاج من هذه الأمراض والعاهات، ومن ثم فهو واحد من أهم الأعمال الفكرية التي كتبت في نقد العقل المسلم المعاصر ومناهجه في التفكير"

 

نقد العقل المسلم.. الأزمة والمخرج (1 – 3)

ثلاثة نماذج:

في الفصل الأول من الكتاب: (أزمة العقل المسلم المعاصر) وفي داخل شخصية المسلم المعاصر - يصفها الكاتب بالهزال والتناقض مع منطق العقل- يميز الكاتب بين ثلاثة نماذج:

1- المسلم المثقف ثقافة مدنية، وهذا مثله الأعلى هو التكيف مع الواقع أيا كانت مواصفاته وليس تغيير الواقع الفاسد، وقد يكون صاحب موقف سلبي أو حيادي أو تعاطف وجداني ويعيش العصر (يتعاطف مع الثاني دون الثالث).

2- الثاني مذبذب بين الماضي والحاضر أو بين الأول والثالث، يعيش مع الناس ومع وسائل الإعلام العامة، وهو يقترب بموقفه من الأول، لكن حصيلته التعليمية ووظيفته وممارسته اليومية تقربه من الثالث.

3- والثالث هو المنتسب للجماعات الدينية، ويخضع للجمعيات الدينية الإسلامية وللتراث وتمرد على الهيئات الدينية الرسمية، وثقافته منحازة تماما لجماعته، وهذا الأخير –غالبا- لا يتعاطف لا مع الأول -فهو جاهلي- ولا مع الثاني -فهو موظف- مرتزق غير ثوري.

- البديل:

ويرى الكاتب أن "الواجب هو زرع نوع جديد يكون بديلا صالحا -تدريجيا- لهؤلاء، وهو مسلم الغد".

**مراحل تطور العقل المسلم المعاصر:

يرى الكاتب أن هذا العقل قد مر بثلاث مراحل:

بدأت بمرحلة "التقليد الفقهي" ثم "التقليد الأوروبي الغربي"، ثم إلى "مدرسة حديثة" تتحسس طريقها بين القديم (مع العودة إلى الأصول) وبين الحديث، تأخذ منه بحذر،ـ (المسلم المثقف)، ثم تطورت هذه المدرسة الأخيرة في ردة فعل رجعية لمواجهة الشرود التقدمي، فألحت على الذاتية واستبعاد التفاعل الإيجابي مع الفكر الإنساني والتجارب البشرية، بحجة "الأصالة" ومخافة الوقوع في "شرك الفكر الغربي"، والنتيجة هي الوقوع في "شرك الجمود الخرافي" أو اللامعقول.

**أعراض انحراف العقل المسلم المعاصر:

يحصرها المؤلف في ثلاثة هي:

أولا: الغفلة عن القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، ومن مظاهر هذه الغفلة: عدم مراعاة الأولويات، والغفلة عن مراعاة درجات المصلحة والمفسدة...

ثانيا: الوقوع في بعض المزالق الفكرية الخطيرة، مثل: التفسير بالرأي دون علم، وجعل السيرة مصدر تشريع دون النظر في أحكام الفقه...

ثالثا: سيطرة الأعراض النفسية السلبية: ومن أخطرها غلبة روح الانهزامية في مواجهة الحضارة الغربية، وأمام الموروثات...

موقف الحركات الإسلامية المعاصرة من أزمة العقل المسلم:

- له وعليه:

يمكن تلخيص دور الحركة الإسلامية في هذا المجال بأنها حاولت واستطاعت -لحد ما- أن تخرج الدين من نطاق الإصلاحات الجزئية (تصحيح العقيدة - تصحيح العبادة - الوعظ والإرشاد) إلى نطاق الإصلاح الكلي، أي التغيير الشامل للسياسة الاقتصادية والتربية والتعليم، لكن دون أن "تعالج أزمة العقل المسلم، وهي حين أخرجت المسلم المعاصر من الجزئية إلى الكلية طبعت الاتجاه إلى الكلية بنهاية الخاصتين: التقديس للتراث، والسلبية من الفكر الإنساني".

ويضيف: "إن ظهور جماعات دينية سياسية تحمل نداء الدين كنظام شامل لجميع جوانب الحياة، كانت له آثار إيجابية وأخرى سلبية، فهذه الجماعات -بسبب نشاطها السياسي- كسبت أنصارا من نوع جديد من الشباب الجديد في المدارس الثانوية وفي الجامعة، حيث تغلب عليه العاطفة وحب البطولة، وبسبب نشاطها السياسي أيضا صار لها صحف ونشرات وكتب تساعد على جذب العناصر المتدنية من مختلف قطاعات الشعب، لكن هذه الجماعات الدينية السياسية إذا كانت قد جددت التفكير الديني التقليدي، فمن ناحية واحدة فقط، وهي إبراز الجانب السياسي للدين، أو بمعنى آخر نشرت فكرة شمول توجيه الدين لجوانب الحياة جميعا، ولكنها من الناحية العقلية أو الناحية المنهجية كانت تقليدية".

- سلبية سببها الجراثيم:

أما الجانب السلبي فيرجع إلى أن هناك جراثيم منتشرة في جسم الحركة الإسلامية، تتمثل في:

- غموض مجموعة من المفاهيم.

- تشويش واختلاط مجموعة ثانية.

- انحراف وفساد مجموعة ثالثة.

ومن أمثلة هذه المفاهيم (الغامضة أو المشوشة أو الفاسدة):  شمول الفكرة يقتضي شمول الحركة- وحدة الأمة الإسلامية تقتضي وحدة الحركة...الخ.

حول الأزهر:

 ولأن سلامة المسار الذي ينتهجه الأزهر يعني الكثير بالنسبة لخروج العقل المسلم من أزمته الراهنة، يسجل المؤلف أن الأزهر بوضعه الرسمي وجمعه بين العلوم الشرعية والعلوم الحديثة، بصورة ما زالت في حاجة إلى تصحيح، يوحي بازدواجية التفكير، واستمرار مسيره مذبذبا بين الدين بلا علم حديث وبين العلم الحديث بلا دين.

مظاهر الأزمة:

يقف الكاتب هنا أمام مظاهر الأزمة التي يعيشها العقل المسلم المعاصر، ليحصرها في عشر:

أولا: النظرة الخاطئة إلى تاريخ العالم: بتصور أنه تاريخ "صراع بين حضارات" بينما هو "حروب يشنها أصحاب أطماع –مثل الاستعمار- وأصحاب مبادئ –مثل الفتوح الإسلامية- سواء بين حضارتين مختلفتين أو داخل حضارة واحدة".

ثانيا: تعطيل عمل العقل خوفا على عمل الوحي وكأنها خصمان لدودان، كما يعتقد البعض أن عقولنا أصغر وأعجز من القدرة على التعامل مع نصوص القرآن والسنة مباشرة، فهي أعلى وأسمى وأكبر من قدرة عقولنا، أي لابد من وسيط بيننا وبينها.

ثالثا: شيوع أنواع عديدة من مخدرات العقول مثل: الحرمان من الغذاء الفكري الصحي، وتقديم غذاء ضعيف أو فاسد لا يحوي المواد اللازمة لنمو العقل...الخ.

رابعا: النظرة الناقصة إلى الأمور، ومن صورها ما يلي:

ـ النظرة الأحادية الجانب: وكأن كل القضايا والظواهر سطحية ليس لها غير جانب واحد، بينما تكاد تكون جميع الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتفاعل في تكوينها عناصر عديدة.

ـ النظرة السطحية الساذجة: تكتفي وتقف عند ما يظهر على السطح دون غوص في الأعماق، والأعماق قد تكون ممتدة في التاريخ (في الزمان) أو ممتدة في الواقع (في المكان).

خامسا: الحاجة إلى تصنيف جديد لنصوص السنة تيسيرا على أهل الاختصاص.

سادسا: اختلال العلاقة بين الإخلاص والصواب: ليس في الإسلام فصام بين إخلاص العمل لله تعالى وبين صواب هذا العمل.

سابعا: التشدد في تحديد اختيارات الدين.

ثامنا: الفصل بين سلامة الاعتقاد ولذة الاعتقاد؛ أي الفصل بين الجانب الفكري والجانب الوجداني، وسلامة الفكرة العقائدية لا تغني شيئا عن عمق الإحساس بمعاني العقيدة واستشعار حلاوتها، "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا" [رواه مسلم].

تاسعا: الإسراف بكل صورة.

- الإسراف في التقدير قد يؤدي إلى التقديس في غير موضعه.

- الإسراف في جانب الوجدان، قد يؤدي إلى خيالات وأحلام غير محكومة بعقل ولا شرع.

عاشرا: السلبية من الفكر الإنساني: ومن صورها: تصور الفساد الشامل في نظرية ما نتيجة بعض أخطاء فيها، ثم الرفض الكامل لهذه النظرية.

حيرة العقل المسلم المعاصر بين القديم والجديد:

يرى الكاتب أن النقص في اطلاع العقل المسلم المعاصر على التراث لا يعادله إلا النقص في اطلاعه على الفكر الحديث، وأثمر هذا النقص عجز العقل عن صهر ما تلقاه من القديم والحديث، وحين لم يتم الصهر كان الإخفاق في مجال الإبداع.

الحكمة هي اقتناص ما يصلح:

وهنا يشير إلى أن القرآن يطرح "الحكمة" كمنهج لاقتناص ما يصلح، يقول تعالى {...وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} سورة النساء 113.

ويقرر أهمية تطبيق قاعدة "الجرح والتعديل" على أصحاب النظريات والأفكار التي تطرح أمامنا. مؤكدا على ضرورة "تحرك مسيرتنا على ساقين، إحداهما علوم الدين، والأخرى علوم الحياة".

التراث:

وفي السياق يشير الكتاب إلى "شمولية التراث لمجالات عديدة، مثل اللغة والتاريخ والنظم والفنون وغيرها".

رأي السلف أم منهج السلف أم الهدى الإلهي؟

وبعد حديثه عن درجات الخضوع للتراث يتساءل الكاتب: هل المطلوب هو العودة إلى "رأي السلف" والسلفيين، أم العودة إلى "منهج السلف" نطبقه؟ (هذا أسلم ولكنه بحاجة إلى اكتشاف) أم العودة إلى الهدي الإلهي لنسترشد به؟.. ثم يجيب: "هذا هو الأصح، ومنهج السلف ورأي السلف أو آراؤهم لابد منها كمعينات في دراسة الهدي الإلهي، ومنهجهم عموما هو الاعتماد في كل أمر على هدي الكتاب والسنة، والاستيثاق من صحة دلالة النص الشرعي. وكان إذا طرقهم أمر جديد تشاوروا وتحاوروا وأعملوا عقولهم، واجتهدوا رأيهم، ومضوا على بركة الله، مثل موضوع جمع القرآن وتقسيم أرض السواد (ريف العراق) بعد الفتح".

رؤية تجديدية:

وتتجلى الرؤية التجديدية لدى أبوشقة في النظر إلى التراث حين يدعو إلى "فتح باب جديد للتراث، وهو باب فهم النصوص واستقصائها واستقرائها، ومن ثَم تنزيلها على الواقع، ومن ثَم يصبح التراث هو بعض أدوات فهم الكتاب والسنة ولكن ليس كل الأدوات، حيث تبقى هناك الحصيلة النهائية الناتجة عن مراجعة التراث والمقارنة بين الآراء والاجتهادات المتعددة، وهناك أيضا علوم العصر وقضايا العصر، وهناك قبل ذلك وبعده عمل عقولنا وقد استوعبت كل تلك الأدوات".

**تصورات أولية لإعادة تشكيل العقل المسلم:

يتراوح تشكيل العقل بين ثلاثة محاور أساسية هي:

أ. محور تغيير الإدراك وأنماط التفكير ليصبح تفكيرا منهجيا سليما (تغيير الوعاء).

ب. محور التنوير بمعلومات ومنهجية عن الشرع والواقع (تغيير المحتوى).

ج. محور التلاقي والتفاعل بين ما سبق بغية بلورة تصور للتغيير والبدء بالتنفيذ. مما يستلزم دراسة فقه الواقع، وفقه الشرع.

- من عوامل اليقظة اليقظة العقلية:

يطرح الكتاب هنا الكثير منها مثل: تعزيز موقع "العقلية العلمية" وحب القراءة والبحث والاطلاع....الخ.

كتب مساعدة على اليقظة العقلية:

وفي ختام الفصل يقترح بعض الكتب التي يمكن أن تساعد على هذه اليقظة، مثل:

- مقدمة ابن خلدون.

- كتابات مالك بن نبي.

- أصول الفقه محمد أبو زهرة.

- فتاوى معاصرة يوسف القرضاوي.

- دستور الوحدة الثقافية الغزالي.

- مشكلات في طريق الحياة الإسلامية الغزالي.

- رسالة القرضاوي حول التكفير.

- رفع الملام عن الأئمة الأعلام ابن تيمية.

- تجديد التفكير الديني محمد إقبال.

- مقال عن المنهج ديكارت.

- نقد العقل الخالص إيمانويل كانت.

شخصيات:

وهناك أيضا شخصيات يفيد تتبع مسارها الفكري، ومنهجها في إنتاج الفكر على إيقاظ العقل المسلم، ومن هؤلاء:

محمود شاكر.

محمد الغزالي.

يوسف القرضاوي.

طارق البشري.

محمد عمارة.

كمال أبو المجد.