الشيخ سيد سابق أحد علماء هذه الأمة الذين فهموا دينهم فهمًا صحيحًا، فكان درعًا واقيًا للأمة من الوقوع في الوهم والشطط البعيد عما أراده كتاب الله وسُنَّة نبيه، وهو واحد من هؤلاء الذين اجتهدوا، فلاقى فقهه قبولًا وسط الناس جميعًا؛ لبساطته وحيويته، ونجح في تقريبه إلى جماهير الأمة بعد أن ظل دهرًا مغلقًا على فئة المتخصصين، فاستحق بذلك أن يكون رائد تقريب الفقه إلى العامة من المسلمين.

الميلاد والنشأة:

ولد في كانون الثاني 1915م بقرية “اسطنها” من مركز “الباجور” بمحافظة المنوفية، وقد أتم حفظ القرآن ولا يزال صغيرًا، تربى الشيخ سيد سابق في الجمعية الشرعية في مقتبل عمره، على يد مؤسسها الشيخ محمود خطاب السبكي، فتشرب محبة السنة، وكان لهمته العالية وذكائه وصفاء سريرته أثر كبير في نضجه المبكر وتفوقه على أقرانه، حتى برع في دراسة الفقه واستيعاب مسائله، وقد كلفه شيخه بإعداد الدروس الفقهية وتدريسها ولم يكن قد تجاوز التاسعة عشرة من عمره.

المسيرة العلمية:

بعد أن أتم حفظ القرآن التحق بالأزهر في القاهرة، وظل يتلقى العلم ويترقى حتى حصل على درجة العالمية في الشريعة عام 1947م، ثم حصل بعدها على الإجازة العالية من الأزهر، وبعد تخرجه في المعاهد الأزهرية عمل بالتدريس ثم بالوعظ في الأزهر، ثم انتقل إلى وزارة الأوقاف متقلدًا إدارة المساجد، ثم الثقافة، فالدعوة فالتدريب، وبعد ذلك انتقل إلى مكة أستاذًا بجامعة الملك عبد العزيز، ثم جامعة أم القرى، وأسند إليه رئاسة قسم القضاء بكلية الشريعة، ثم رئاسة قسم الدراسات العليا، ثم أصبح أستاذًا غير متفرغ فيها، وخلال تلك المدة حاضر ودرس الفقه والأصول، وأشرف على أكثر من مائة رسالة علمية وتخرج على يديه كوكبة من الأساتذة الأجلاء والعلماء والدعاة المرشدين، وحصل الشيخ على جائزة الملك فيصل عام (1413هـ 1994م) في خدمة الإسلام مشاركة مع محمد بن صالح العثيمين والشيخ يوسف القرضاوي.

نشاطه الدعوي: 

في الثلاثينيات تعرَّف الشيخ سيد سابق على الشيخ حسن البنا رحمه الله، واشترك في دعوته في فترة مبكرة؛ حيث التحم بدعوة الإخوان هو والشيخ محمد الغزالي والشيخ عبدالمعز عبدالستار، وكان الشيخ سيد سابق أحد المجاهدين وأحد رجال النظام الخاص، فمع جهاده بقلمه كان مجاهدًا عسكريًّا في حرب فلسطين عام 1948م، وقد تصدَّرت صورته مرة مجلة "الإخوان المسلمين" وهو يتدرَّب على السلاح في معسكر التدريب المعدّ للمجاهدين.

وقدم الشيخ للمحاكمة في قضية مقتل النقراشي باشا، حيث زعموا في ذلك الوقت أنه هو الذي أفتى الشاب القاتل عبد المجيد حسن بجواز قتله، عقوبة على حل الإخوان، وكانت الصحف تلقب الشيخ في ذلك الوقت بـ(مفتي الدماء) ولكن المحكمة برأته، وأخلت سبيله، ولكنه اعتقل مع من اعتقل من الإخوان في سنة 1949م واقتيد إلى معتقل الطور، وفي هذا المعتقل كان الشيخ سيد يعقد حلقات في الفقه بعد صلاة الفجر وقراءة الأدعية المأثورة.

فقيهًا ومفتيًا:

اشتغل الشيخ سيد بالفقه أكثر من غيره من الدعاة الأزهريين، لأنه وجده أليق بتخصصه في كلية الشريعة، وقد بدأ كتاباته الفقهية في مجلات أسبوعية منوعة، على شكل مقالات، فبدأ بفقه الطهارة معتمدًا على كتب (فقه الحديث) وهي الكتب التي تهتم بأحاديث الأحكام مثل كتاب (سبل السلام) للإمام الصنعاني، وكتاب (نيل الأوطار) للشوكاني، ومستفيدًا أيضًا من كتاب (الدين الخالص) لشيخه محمود خطاب السبكي، وكتاب (المغني) لابن قدامة، وكتاب (زاد المعاد) لابن قيم الجوزية.

منهج الشيخ سيد سابق في الفقه:

اعتمد الشيخ سيد منهجًا فى تناوله الفقهي يقوم على طرح التعصب للمذاهب مع عدم تجريحها، والاستناد إلى أدلة الكتاب والسنة والإجماع، وتبسيط العبارة للقارئ بعيدًا عن تعقيد المصطلحات، وعمق التعليلات، والميل إلى التسهيل والتيسير على الناس، والترخيص لهم فيما يقبل الترخيص، وحتى يحب الناس الدين ويقبلوا عليه، كما كان يحرص على بيان الحكمة من التكليف، اقتداء بالقرآن في تعليل الأحكام. 

كان من التسهيل الذي اتبعه في منهجه الذي ارتضاه في كتابة الفقه البعد عن ذكر الخلاف إلا ما لا بد منه، فيذكر الأقوال في المسألة، ويختار الراجح أو الأرجح في الغالب، وأحيانًا يترك الأمر دون أن يرجح رأيًا، حيث لم يتضح له الراجح، أو تكافأت عنده الأقوال والأدلة، فيرى من الأمانة أن يدع الأمر للقارئ يتحمل مسؤولية اختياره، أو يسأل عالمًا آخر، وهذا ما لا يسع العالم غيره.

اهتمامه بالفقه وعنايته به:

كتب الشيخ سيد سابق الجزء الأول من كتابه الذي سماه (فقه السنة) في أواسط الأربعينيات، وكان في فقه الطهارة، وقد صدّره بمقدمة للإمام حسن البنا تنوّه بمنهج السيد سابق في الكتابة، وتشيد بحسن طريقته في عرض الفقه، إذ إن الفقه من أعظم القربات إلى الله في نشر الدعوة الإسلامية وبث الأحكام، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم في عباداتهم وأعمالهم، وليكون حافزًا لهم على الاستزادة من المعرفة والإقبال على العلم.

مكانة الشيخ وفضله:

يَعرِف للرجل مكانته وفضله، كل من عاشره أو تتلمذ على يديه، فقد تخرج على يديه كثير من الشخصيات العلمية، التي أصبحت ذات صيت وسمعة كبيرة، ومن هؤلاء الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور أحمد العسال والدكتور عبد الستار فتح الله وآخرون من علماء مكة أمثال الدكتور صالح بن حميد والدكتور العلياني.

لقد كان الشيخ سيد في شبابه محل ثقة علماء كبار، من أمثال الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد أبو زهرة والشيخ محمد الغزالي، مما جعل بيته محطة رائعة يقصدها شخصيات كبيرة، من أمثال الشيخ عبد الجليل عيسى والشيخ منصور رجب والشيخ الباقوري وكان قوله فصلا بين المختلفين في المسائل الشرعية.

أهم مؤلفاته:

1- العقائد الإسلامية.

2- عناصر القوة في الإسلام.

3- تقاليد وعادات يجب أن تزول في المآتم.

4- تقاليد وعادات يجب أن تزول في الأفراح والمناسبات.

5- رسالة في الحج.

6- رسالة في الصيام.

7- فقه السنة، وهو من أشهر كتبه.

وغير ذلك من الكتب والأبحاث العلمية.

وفاته:

ظل منارة حق وخير للناس حتى وافاه الأجل في 27 فبراير عام 2000 عن عمر يناهز الخامسة والثمانين، ودفن بمدافن عائلته بقرية اسطنها، حيث مسقط رأسه.