الدكتور حسن الترابي اسم ارتبط بالكثير من الجدل سواء فى الفكر أو الفقة أو السياسة، فأينما ذكر اسم الرجل ذُكرت معه قضايا فكرية وسياسية مثيرة للجدل، ولكن ما لا يستطيع أن ينكره أحد أن الدكتور الترابي كان وسيظل أحد الرموز الفكرية للأمة الإسلامية وفى القلب منها مدرسة الاعتدال. وقد انشغل الترابي بموضوع الحكم والتجربة السياسية الإسلامية وتجديد الفكر الإسلامي تنظيرا وتدبيرا فكتب كتابيه (السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع)، (تجديد الفكر الإسلامي).

النشأة والتربية

هو حسن عبد الله الترابي (ولد في 1 فبراير 1932) في كسلا (شرقى السودان)، بالقرب من إريتريا لعائلة كبيرة في منطقة كسلا عُرفت بالعراقة في العلم والدين، فكان والده أحد أشهر قضاة الشرع في عصره، وأول سوداني حاز الشهادة العالمية، حفظ الترابي القرآن الكريم صغيرا بعدة قراءات، وتعلم علوم اللغة العربية والشريعة في سن مبكرة على يد والده، وجمع في مقتبل حياته أطرافا من العلوم والمعارف لم تكن ميسرة لأبناء جيله خاصة في السودان وحصَّل صنوفا شتى من المعارف والثقافات الغربية.. تزوج الترابي السيدة وصال الصديق المهدي شقيقة رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي زعيم حزب الأمة.

الترابي والتعليم:

تلقى الشيخ الدكتور الترابي تعليمه النظامي في مدن مختلفة حيث درس المرحلة الوسطى بمدينة ود مدني والمدرسة الثانوية بمدرسة حنتوب الشهيرة شرقي ود مدني ثم التحق بدراسة القانون بجامعة الخرطوم بين الأعوام 1951-1955 ثم نال شهادة الماجستير من جامعة لندن خلال عامي 1957-1959م، والدكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا في العام 1964م.

تمكنه المبكر من دراسة اللغة العربية واطلاعه الواسع على مصادرها الأساسية مكنه من إجادة اللغتين الإنجليزية والفرنسية بطلاقة شديدة ثم اللغة الألمانية.

المناصب العملية:

فور عودته من الدراسة العليا في أوائل العام 1964 انخرط استاذًا بكلية القانون بجامعة الخرطوم وتولى عمادتها لبعض الوقت، ولكنه ما لبث أن استقال وتفرغ لقيادة الحركة الإسلامية.

بعد المصالحة مع نظام مايو في العام 1977 تولى مناصب تنفيذية من بينها النائب العام ومستشار الرئيس للشؤون الخارجية، ثم تولى منصب وزير العدل والنائب العام، ثم وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء في الحكومة الائتلافية برئاسة السيد الصادق المهدي والتي تشكلت في العام 1987، كما اختير رئيساً للبرلمان في السودان عام 1996.

الحياة السياسية

بعد عودته إلى وطنه من الخارج انضم إلى جبهة الميثاق الإسلامية لدى تشكلها (هي إحدى الفروع السودانية للإخوان المسلمين) وكان عميدا لكلية الحقوق بجامعة الخرطوم ومن هنا تبدأ محطته الفكرية والحركية الأولى، إذ تولى القيادة الفكرية والحركية للحركة الإسلامية بعد أن استقال "الرشيد الطاهر" المراقب العام للإخوان المسلمين من منصبه سنة 1964 ليتقلد الترابي الأمانة العامة بها عام 1964، وبعد خمس سنوات أصبح لجبهة الميثاق الإسلامية دور سياسي أكثر أهمية.

عمل الترابي مع طائفتين من الحركة الإسلامية في السودان هما الأنصار (ويمثلهم حزب الأمة) والختمية ويمثلهم (حزب الاتحادي الديمقراطي).

استمر الترابي في جبهة الميثاق الإسلامية حتى عام 1969 وقيام الرئيس جعفر نميري بانقلاب ومن ثم اعتقل أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وأمضى الترابي سبع سنوات في السجن.

أراد الرئيس النميري والطائفتان الإسلاميتان الوصول لحل وسط في عام 1977 بعدما شعر بقوتهم بعد محاولة فاشلة لقلب نظام الحكم عسكريا فى العام 1976 وقد كان إطلاق سراح الترابي جزءا من هذا الحل.

اعتُقل الترابي ثلاث مرات خلال السبعينيات، في ظل نظام الرئيس جعفر نميري، ومع ذلك شغل في 1979 منصب النائب العام، وأيد الترابي قرار الرئيس نميري إقرار الشريعة الإسلامية في 1983، وبعد سقوط نظام نميري في 1986، شكّل الجبهة القومية الإسلامية.

الترابي والحكم

في يونيو عام 1989، أقام حزب الترابي انقلابا عسكريا ضده، بعد أن طالب الجيش فى مذكرته الشهيرة بطرد أعضاء حزبه من الحكومة، وعين عمر حسن البشير رئيسا لحكومة السودان وقال حينها: (البشير هدية لنا من الله).

في عام 1991 أسس الترابي المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي يضم ممثلين من 45 دولة عربية وإسلامية (معظهم معارضون لدولهم)، كما انتخب الأمين العام لهذا المؤتمر.. ثم رئيسا للبرلمان فى عام 1996.

اختلف مع حكومة الإنقاذ حول قضايا الشورى، والحريات، وانتخاب الولاة لامركزيا، وتعيين رئيس للوزراء (مما رآه البشير انتقاصا من صلاحياته الدستورية) وحل البشير البرلمان في أواخر عام 1999م، وبعدها أصبح الترابي أشهر معارض للحكومة.. شكل مع عضوية حزبه الموتمر الشعبي في 31 يونيو 2001م.. وحوى معظم قيادات ورموز ثورة الإنقاذ الوطني، ومسئولين كبارا في الحكومة تخلّوا عن مناصبهم.

اعتقل في 2001م لتوقيع حزبه مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية، ثم اعتقل مرة أخرى في مارس 2004 بتهمة تنسيق حزبه لمحاولة قلب السلطة.

له العديد من الرؤى الفقهيه المتميزة والمثيرة للجدل، من آخر هذه الفتاوى إمامة المرأة للرجل في الصلاة، مما يجعله من أبرز الشخصيات الإسلامية السودانية المعاصرة.

من مؤلفاته

قضايا الوحدة والحرية (عام 1980)

تجديد أصول الفقه (عام 1981)

تجديد الفكر الإسلامي (عام 1982)

الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة (عام 1982)

تجديد الدين (عام 1984)

منهجية التشريع (عام 1987)

المصطلحات السياسية في الإسلام (عام 2000)

الدين والفن

المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع

السياسة والحكم

التفسير التوحدي

عبرة المسير لاثني عشر السنين

الصلاة عماد الدين

الإيمان وأثره في الحياة

الحركة الإسلامية.. التطور والنهج والكسب

ملامح مشروعه الفكرى

رغم أن المشروع الفكري للترابي يقوم على فكرة محورية أساسها تجديد الدين، وهو التجديد القائم على فهم الواقع والتغيرات والتجارب الإنسانية والتوفيق بين الثابت المطلق والمتغير النسبي، وهي نفس المنطلقات التي اتخذتها الحركات الإسلامية عنوانا لمشروعاتها الفكرية.. فإن الأفكار والآراء التي قدَّمها الترابي تحت نفس العناوين جاءت في معظمها مخالفة ومفارقة تماما لكل ما شاع واستقر في أوساط هذه الحركات بل ولدى المؤسسات الدينية الرسمية أيضا.

والتجديد عند الترابي يجب أن يمتد إلى كل جوانب الدين، فهو يدعو مثلا في محاضرته "قضايا فكرية وأصولية" إلى ثورة تجديدية شاملة للفقه الإسلامي الذي يصفه بالجمود والتقليد واستحضار القديم والامتنان به، وحصر الدين في تقاليد القدماء، ويعلن بلا مواربة ضرورةَ تجاوز الموروث الفقهي كله باعتبار أن التنقيب فيه لن يغني عن ضرورة إيجاد فتاوى جديدة عصرية.

ورغم ما قوبل به كثير من آرائه الفقهية والفكرية من رفض وتسفيه فإن أحدا لم يستطع التدليل القاطع على بطلانها وعدم تماسكها علميا رغم مخالفتها لما درج عليه الجمهور من أهل العلم والنظر تاريخيا وحاضرا.

 

بعد حياة حافلة بالمواقف الكثيرة، توفي الدكتور حسن الترابي بإحدى مستشفيات الخرطوم -رويال كير- إثر وعكة صحية مفاجئة يوم 5 مارس 2016م الموافق 25 جمادى الأولى 1437هـ، ونعته الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية.