عن الكتاب:

اسم المؤلف: الشيخ محمد الغزالي.

اسم الكتاب: الإسلام والاستبداد السياسي.

دار النشر: نهضة مصر - القاهرة

تاريخ النشر: أكتوبر (2005)

الطبعة: السادسة.

عدد الصفحات: 215

هذا الكتاب

يمثل كتاب الإسلام والاستبداد السياسي أحد المحطات المهمة في تاريخ مدرسة الاعتدال فالكتاب من أهم الأعمال التي تناولت الاستبداد السياسي كدراسة واقعية معاصرة ممتزجة بالأسانيد الشرعية والروايات التاريخية.. ولاسيما أن الكاتب وقف عمره لمحاربة الاستبداد باسم الإسلام بكل ما لديه من طاقة، ويعلم الناس ما يفعله الاستبداد بأنفسهم ومجتمعاتهم.

ويعد كتاب الإسلام والاستبداد السياسي بداية الصدام مع النظام في حياة الغزالي، كتبه فور الخروج من المعتقل 1949.

سئل الشيخ الغزالى يوما عن كتابه هذا فقال: "أشهر كتبي عندما هاجمت فيها الطغيان وفساد الحكم وأسميته "الإسلام والاستبداد السياسي" وكان ذلك في أواخر الأربعينيات وكان هذا اليوم من أهم أيام حياتى وأعتبره نقطة انطلاق لى... بمجرد أن نزل الكتاب إلى الأسواق فوجئت بالحكومة كلها تهتز وتصدر قرارا بمصادرة الكتاب. وأحسست أن القصر الملكي اهتز بشدة من هذا الكتاب وقبض عليّ وقدمت للمحاكمة بتهمة مهاجمة الحكومة.. وخرجت من هذه القضية بدون أن يثبت علي شيء".

وعندما سئل عن قصده من الكتاب قال: "ليس الكتاب لفئة دون فئة أو نظام دون آخر إنه لكل العصور وكل الأنظمة.. لقد طالبنى رجال المباحث في العصر الجمهورى بتغييرات معينة وتحديدات خاصة فرفضت ونالنى ما نالنى... (1)

حصاد مرير

يروي الكاتب تجربته التي قضاها، عندما سُجن وأودع في سجن الطور، ويبين أن سبب إخراجه لهذا الكتاب، كرهه الشديد للاستبداد، الذي عانى منه الكثير.

يقول: إن بلاد الإسلام في هذا العصر وفي العصور القريبة السابقة تحمل كفلين من العذاب: أحدهما من وطأة الغرب المعسكر بقواته الكثيفة من المحيط إلى المحيط، والآخر من غدر الحكام المشايعين له، ومن أوضاعهم الملفقة وفسادهم العريض، احتلال مزدوج ضاقت الأمة به ذرعا، وأضناها أنها ما تنتهى من صراع أحدهما حتى يأخذ الآخر بخناقها، والغريب أنه في الأقطار الإسلامية التي لم يسفر الاحتلال الغربى فيها، أو التي رابط على حدودها وحبس المسلمين داخلها -كجزيرة العرب- تضاعف فيها فساد الحكم وازدادت أغلاله، كأنما كتب على المسلمين البائسين أن يحملوا قيدين حتما، فإذا لم يكن ثمة قيد أجنبى فإن الولاة الأخيار (!) كفلاء بصنع قيد.. وقيد..!!. أما المشاهد التي عرضت لنا في السجون والمنافي فقد علمتنا ما لم نكن نعلم! وفقهنا على ضوئها معاني آيات كثيرة من الكتاب الكريم (2)

يوضح الكاتب موقفه من الاستبداد فيقول: كنت أكره الاستبداد قبلا كرجل خلقه ربه حرًّا، فلما لعقت مرارة القلة والاستضعاف والاختطاف، ووجدت زمامي يلعب به السفهاء كما كان صبية مكة يلعبون قديما بالحبل الذي ربط فيه بلال بن رباح رسبت مشاعر الحقد في أعماق قلبي، وفهمت كيف أن اندحار الأعداء يشفي صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم (3)

الدين والاستبداد

يتناول الكاتب قضية الاستبداد من منظور موقف الدين منها ويرى أن الإسلام والاستبداد ضدان لا يلتقيان، ”فتعاليم الدين تنتهي بالناس لعبادة ربهم وحده، أما مراسيم الاستبداد فترتد بهم إلى وثنية سياسية عمياء، ولا يمكن أن يعيش الاستبداد هانئاً أو مستريحاً في بيئة ينتعش فيها الإسلام؛ لأن الثاني عدو الأول اللدود” (4)

كما شن الغزالى في كتابه حملة شرسة على ما يطلق عليهم علماء السلطان او العلماء الصامتين عن قول الحق فيقول: لقد تتبعت أقوال طائفة من المتحدثين عن الإسلام فوجدت تصورهم لأسلوبه في الحكم غامضاً، وآذاني أشد من ذلك أنهم وقفوا مكتوفي الأيدي أمام الافتيات المستمر على سلطان الأمة كأن ما يحدث تحت سمعهم وبصرهم خارج عن الدائرة التي يختص الدين بالفتوى فيها، ولقد فهم أحد الظرفاء هذا الموقف فأرسل إلى لجنة الفتوى هذا السؤال: رجل حلف بالطلاق أن الانتخابات التي حدثت سنة كذا مزورة، فهل تطلق امرأته؟ ولم تقع لجنة الفتوى في هذا الشرَك.. ولن تقع ولو بقيت المرأة معلقة أبد الدهر. 

ويرى أن هذا الموقف مسيء إلى الإسلام إساءة بالغة يطمع الدعوات الملحدة أن تمتد حيث انكمش هو، بل إنه يرفع الثقة بهؤلاء العاملين للدين، ويعرضهم لأقسى التهم (5)

ويشير الكاتب إلى أنه يسعى من خلال هذا الكتاب إلى إنصاف الإسلام، وأدمغ الرجال المفرطين في حقه وإن انتموا له، وأريد أن يدرك العاملون في محتلف الجماعات والهيئات الإسلامية أن خدمتهم لدينهم لن تتم ولن تخرج ولن تسير في صراط مستقيم إلا إذا نضج في أذهانهم الفهم السليم لحقوق الإنسان، واكتمل في صفوفهم الدفاع العنيف عنها(6).

الفساد المنتشر

يشير الكاتب إلى أنه ما يستطيع أحد منا أن يتعامى عن الفساد المنتشر هنا وهناك وقد حاول آباؤنا من سبعين سنة أن يمنعوه وأن يردعوا مرتكبيه، ولو تركنا اللصوص الحمر نسوي أمورنا وحدنا لكانت مصر اليوم من أعظم دول العالم، ولكنهم أقحموا أنفسهم في شئوننا ليزيدوها خبالا، وكلما حاولنا سلوك طريق لتصحيح أوضاعنا أقاموا في وجوهنا العراقيل لنعجز ونكف(7).

ثم يتناول الكتاب نماذج عديدة من قضايا الفساد التي كانت دائرة حينها مثل قضية الجيش الكبرى والتي تمثل مأساة فلسطين، قضية انفجار الذخائر في القلعة، قضية التموين، قضية الاختلاسات الكبرى في وزارة المعارف.. وغيرها(8).

ويوضح الكاتب أنه لا فرق بين استبداد وظلم الأجنبى وبين ظلم حاكم غاشم، ويجب على الجميع محاربة الاستبداد والظلم أيا كان مصدره، فيقول: إننا نحارب الإذلال الذى ينزل بنا من الأجانب ونحارب كذلك أية محاولة لإذلالنا من أذنابهم وأشياعهم، لقد أشمأززنا من صورة المصري الجاثي تحت أقدام الإنجليزي يتلقى السياط الموجعة، ولنحن أشد اشمئزازا من مثل هذه الصورة يوم تكون لمواطن مضطهد يضربه حاكم غاشم وقد حدث يوماً ما أن علق المتهمون في قضية الأوكار والسيارة الجيب في كلاليب الحديد كما يعلق الجزار ذبيحته التي سيقطعها للآكلين، ثم انهالت على أبدانهم الجلدات الكاوية ودولة الحاكم العسكري إبراهيم عبدالهادي باشا واقف ينظر ويبتسم(9).

ويبين أن الحل لجميع مشاكلنا هو بنشر الحرية والعدالة، فيقول: إن الأمر واضح.. أشيعوا الحرية والعدالة والفضيلة، أقيموا فرائض الإسلام على أنقاض الوثنية السياسية والاجتماعية، تظفروا بوضع متناسق في الداخل وكرامة موفروة في الخارج... وإلا.. فلا إسلام.. ولا سلام.

مكمن الداء

يرى الكاتب أن المشكلات التي تواجهنا، وتبدو لنا شديدة التعقيد، وتحتاج لحلول عبقرية، إنما تتطلب القليل من الذكاء والبداهة، ومفتاحها يكون في متناول اليد.

يقول: إن بعض الواهمين عندما يروعهم فساد الحكم وشرور المجتمع فيذهبون إلى الدين يطلبون الحل لما يعانون من أزمات معنتة، ربما توقعوا أن يمدهم الدين ببرامج مفصلة وشروح دقيقة لما يقع ولما يتوقع من طغيان، وما دروا أن الظلام الضارب في كل أفق يرجع إلى تجاهل وصية بدهية من وصايا الدين، أو الخروج على تعليم واضح من تعاليمه، وأن الأمر لا يتطلب فلسفة ولا بسط آراء ولا ترديداً لمذاهب، مقدار ما يتطلب التقيد التام بما فرضه الدين في ناحية ما من النواحى التي طرقها((10)).

ويرى أن الاستبداد السياسي الذي وقعت الشعوب المسلمة فريسة له من أمد طويل وظلت إلى اليوم ترسف في قيوده، ليس مرده إلى أن الإسلام نقصته عناصر معينة، فأصيب معتنقوه بضعف في كيانهم كما يصاب المحرومون من بعض الأطعمة بلين في عظامهم أو فقر في دمائهم، كلا ففي تعاليم الإسلام وفاء بحاجات الأمة كلها وضمان مطمئن لما تشتهي وفوق ما تشتهى من حريات وحقوق، إنما بطشت مخالب الاستبداد ببلادنا وصبغت وجوهنا بالسواد، لأن الإسلام خولف عن تعمد وإصرار((11)).

ويشير إلى أن تنظيف العالم الإسلامي من الغرور والغش والادعاء، ومن السرقة والنهب والاستعلاء، كفيل باجتثاث جذور الاستبداد وإراحة الدين والدنيا من ويلاته((12)).