بقلم  الشيخ راشد الغنوشي

ظواهر العنف في العلاقات البشرية متعددة لم يخل منها مجتمع إن في المستوى الفردي أو الجماعي سواء كان بدوافع شخصية من ثأر أو انتقام أو رغبة في إشباع غريزة كسب أو جنس بطريق غير مشروع، أم كان بدوافع جماعية سياسية أو دينية أو اقتصادية...

وكبحا للدوافع الفردية للعنف استحدثت البشرية جهاز الدولة ليزع الناس بعضهم عن بعض، فكانت الشرائع والمحاكم وأجهزة الأمن. وفي المستوى الاجتماعي اصطنعت الجيوش لرد العدوان أو للهجوم.

وفي المستوى الدولي استحدثت مؤسسات أممية حكما بين الدول، مما له دلالة واضحة على أصالة النقص والميل إلى العدوان في طبيعة الإنسان والظلم من شيم النفوس كما يقال. وفي الحديث: "كل ابن آدم خطاء".

غير أن هذه الميول العدوانية في طبيعة الإنسان إما أن تصادف تصورات عقدية وثقافية ومناهج تربوية أو بيئة اجتماعية تخفف من وطأتها وتخضعها لضوابط العدل والإحسان وترتقي بها إلى آفاق عليا، أو أنها تصادف تصورات وقيما وأخلاقيات وثقافة ومناهج تربوية وظروفا اجتماعية قاسية تدفع الناس دفعا وتحرضهم تحريضا على العدوان وتؤجج في نفوسهم نيران الغضب فينحدرون إلى المستنقع الآسن.

 

العنف السياسي:

والذي يهمنا هنا ليس مطلق العنف الفردي ولا حتى الجماعي المتجه إلى مجرد الإشباع الغريزي وبالخصوص حيث يعشش الفقر والظلم، وإنما ساحة محددة من العنف الذي جرى ويجري في أكثر من بلد إسلامي أو غير إسلامي، أعني ما يسمى بالعنف السياسي وهو نوع خاص من العنف الجماعي الذي كاد يرتبط أيامنا هذه بجماعات تنتسب إلى الإسلام، بينما كان في مراحل سابقة جزءا من تراث الحركات القومية واليسارية والعرقية تحت لافتة مقاومة الأنظمة الرجعية المرتبطة بالإمبريالية.

غير أن أحاديث العنف إذا ذكرت أيامنا هذه فهي ذات اتجاه واحد لا تنحرف ذات اليمين إلى القوى الدولية المهيمنة على البحار والأجواء والمؤسسات الدولية تنهب أرزاق الناس وتُعمل سيف التهديد فيهم ولا تتردد في إغماده في رقابهم، كما تفعل الولايات المتحدة وشركاؤها وربيبتها إسرائيل وعملاؤها.

 

ولا تنحرف ذات الشمال إلى ما تمارسه الدول من قمع وتعذيب لمعارضيها وتكميم أفواههم وتشويه سمعتهم، وحتى عندما تضطر إلى التحدث بلغة العصر لغة الديمقراطية والدستور والانتخابات والتعددية تفعل ذلك في نفاق مكشوف يعطل هذه الأنظمة والترتيبات التي جعلت لضمان علو سلطان الحق والقانون وإرادة الشعوب فوق إرادة الحكام وتوجه سلاحها صوب كل معارض.

كل ذلك عنف.. لكنه ليس هدفا لسهام الحرب على العنف أيامنا هذه. إن السهام كلها تتجه إلى الجماعات الإسلامية وتصمها بأشنع الأوصاف حتى تلك التي تلتزم منهج السلم والمسالمة.. ناهيك عن التي تستخدم ما تصله يدها من أسلحة ضد خصومها.

فما أسباب ظهور هذه الجماعات الإسلامية المسلحة؟ وما السبيل إلى كف يدها؟

الحقيقة أن تاريخ الإسلام لم يخلُ من جماعات تعتمد السلاح سبيلا لتغيير ما تراه منكرا حتى أن كل الدول التي تأسست في تاريخ العرب والمسلمين – وفي تاريخ غيرهم- إنما كانت ثمرة تمرد مسلح نجح في اقتلاع دولة وإقامة أخرى محلها بذريعة مقاومة الجور وإرساء العدل الذي جاءت الشرائع والنبوات من أجل إقامته.

ورغم أن الفقهاء اضطروا لسد هذا الباب - بسبب ما دخل منه على المسلمين من بلاء وفتن وتمزيق صف فاعتبروه ضربا من الفتنة التي نهى الإسلام عنها مكتفين بممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالوسائل السلمية - فإنهم كلما حصل خروج مسلح على ظالم ونجح في الإطاحة به متعهدا بإقامة الشريعة والعدل، بايعوه معترفين بشرعيته داعين الأمة إلى ذلك.

والدول القائمة اليوم في بلاد العرب أقامها العنف أو هي قائمة به فليس إذن غريبا عن تاريخنا وتراثنا ظهور جماعات تعتمد أساليب القوة بالنظر إلى ما في الواقع من مظالم خانقة، وما في الإسلام وتراثه من مبادئ قابلة لأن تحمل لصالح تسويغ إعلان الجهاد ضد حاكم ظالم.

 إن تجربة الحكم في أمتنا كانت ولا تزال مشحونة بالتوتر والجور، فكان المقت يتجمع ويتراكم حتى يجد فرصة للانفجار فيندلع، عنفا باسم الإسلام أو باسم الوطنية والثورية عندما كانت تلك هي الثقافة السياسية السائدة، أما اليوم وقد تغلبت الثقافة الإسلامية فقد نطق العنف لغة الإسلام.

واستند إلى مرجعيته في القرآن والسنة وتراث المسلمين وإلى المظالم المتراكمة في الواقع، كبطش الدول القائمة بكل صوت معارض ونهبها للأرزاق بغير حد ونشرها للفواحش واستخذائها أمام ما تتعرض له كرامة الأمة من إهانة واحتقار، وما تتعرض له أراضيها وبالخصوص في فلسطين من عدوان وتدمير منهجيين على يد الصهيونية وحاميتها الأمريكية، وإزاء ما تقدمه هذه الأخيرة من دعم غير محدود لأنظمة الجور وخذلان لكل حركة تغيير بينما هي تهب بكل قواها لدعم حركات الانتفاض والتغيير في أي مكان آخر من العالم من جورجيا إلى أوكرانيا.

 

عنف الجماعات الإسلامية:

إن العنف السياسي أو المعارضة المسلحة مما تقوم به جماعات إسلامية يمكن تناوله من حيث أنواعه:

- فمنه ما هو مقاومة للاحتلال كالذي تقوم به جماعات في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير والفلبين وتركستان وهذا لا اختلاف في أصل مشروعيته الدينية وحتى القانونية، إذ إن مقاومة الاحتلال حق فطري من قبيل دفاع الإنسان عن ملكه وعرضه: "من قتل دون ماله فهو شهيد" (متفق عليه). وإنما الاختلاف حول مدى توفر الشروط الضرورية محليا ودوليا لتنزيله سبيلا لاستعادة الحق السليب.

وعموما فقد كان إعمال الجهاد في هذا الحقل مثمرا، إذ قد أفضى إلى طرد الجيوش المحتلة التي كانت أحكمت قبضتها في القرن التاسع عشر على جل العالم الإسلامي ولم تبق غير بقاع محددة يصطلي فيها المحتل اليوم بنار الجهاد ولن يكون له فيها غير ما كان لأسلافه من مصير. وبالأمس اندحر الجيش الذي لا يقهر هاربا تحت جنح الظلام يتعقبه المجاهدون واليوم يتولى الجيش نفسه سحب قطعان مستوطنيه وهدم وحرق بيوتهم تحت ضربات المقاومة.

ومنه جهاد ضد حكومات ظالمة معظمها علماني وإن صدر دساتيره بالإسلام وانتسب إليه، وفي كل الأحوال هي -بنسب متفاوتة- ظالمة متمردة على قيم الإسلام في العدل وأساليب العصر في الحكم. ورغم ما بذلت جماعات إسلامية في هذا الحقل فقد كانت الحصيلة هزيلة بل في أكثر الأحيان كارثية، وانتهى عقلاء تلك الجماعات إلى مراجعات جذرية وتقويمات أفضت بهم إلى الاعتراف بضلال طريقهم الذي تأسس على فقه مبتسر بالشريعة وفقه معدوم بالواقع.. وما انبنى على باطل باطل. ولا يعني ذلك الاستسلام لأنظمة الظلم والرهان في انتظار ما تجود به من هبات.

 

فالحريات والحقوق لا توهب وإنما تنتزع، وذلك ممكن بمنأى عن طرائق العنف التي لم تأت بخير وتلك خبرة عصور طويلة من الفتن والثورات قادت الفقهاء إلى الإعراض صفحا عن هذا الطريق وسده في وجه اندفاعات الشباب الغرّ. 

إن نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإشادة بشهداء الكلمة وأنهم سادة الشهداء ناهيك عن الحديث عن الجهاد بالقرآن جهادا كبيرا {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا} (سورة الفرقان)، إن تلك النصوص إضافة إلى خبرات أمتنا والأمم الأخرى في مجال ثورات الشعوب السلمية، تفتح الطريق واسعا أمام تطوير معتبر لمناهج التغيير السلمي عبر ضغط الشارع بالمسيرات والاعتصامات والإضرابات.

ومهما كان الموقف من النظام الإيراني فالثابت أن الثورة الإيرانية كانت من أعظم الثورات السلمية في القرن العشرين، أطاحت بأكبر إمبراطورية وأضخم جيش في المنطقة وأحلت محلها نظاما آخر نقل البلاد نقلة جذرية في كل المجالات.

ولا ننس الانتفاضة الفلسطينية المباركة قبل أن تضاف إليها المقاومة المسلحة، فقد أفلحت فيما عجزت عنه الجيوش العربية مجتمعة من طرح قضية فلسطين على العالم، وهزّت عمق الكيان الصهيوني المدجج بالسلاح. ومن أبلغ وأقوى المقالات التأسيسية للجهاد السلمي مقالة المفكر الإسلامي الكبير القاضي طارق البشري للعصيان المدني.

 

حركة الشارع:

وعلى الصعيد العالمي تبوأت حركة الشارع قيادة أهم التحولات السياسية التي حصلت خلال العشرية الأخيرة من روسيا حيث حملت حركة الشارع يلتسين إلى سدّة الحكم وأطاحت بالدكتاتورية الشيوعية، وقبل ذلك حصل مثله في بولونيا ورومانيا وتشيلي وهاييتي، وفي السنوات الأخيرة أطاحت حركة الشارع في يوغسلافيا بالدكتاتور سلوبودان ميلوسوفيتش كما أطاحت في جورجيا بدكتاتور آخر، وهذه الأيام يعيش العالم على إيقاع حركة الشارع في أوكرانيا وقرغيزستان.

يمكن لمن يريد التهوين من هذه الإنجازات الباهرة والحيلولة دون تعميمها على منطقتنا بنوع من الاعتذار عما نعيشه من تكلس ويأس، يمكن أن يدفع هذا النموذج إما بالتلويح بأن تلك الشعوب لأنها غربية فهي بالضرورة وريثة لفكر الأنوار وليست معاقة بالفكر الديني الذي يكبل حركة النساء ويمنعهن من المشاركة في حركة الشارع وأنى للرجال أن يتحركوا دون النساء.. وهي حذلقة بل سفاهة ونفاق.

ويمكن لآخرين أن يعتذروا بما يعيشه العرب من حالة سكون وتخلف ديمقراطي رهيب يجعل أمتنا في مؤخرة المؤخرة، بينما العالم كله يتحرك صوب التحول الديمقراطي بما يلقاه المستبدون بأمرنا من دعم دولي حتى ولو كان تزييفهم للانتخابات سافرا لا تخطئه عين إذ يحصلون على نسبة لا يحظى بها حتى الأنبياء والمرسلون. فما يكون من الغرب الديمقراطي إلا إسداء الثناء لهم بينما أبسط تزييف في دول خارج منطقتنا يجابه باعتراض غربي صارم وتهديد بالمقاطعة وإرسال المراقبين والضجة الإعلامية.

وما حصل في الجزائر شاهد وكذا في تونس. وهو اعتراض صحيح ولكنه لا يمثل الحقيقة كلها وإنما نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فيتمثل في أن الغرب ليس إلها يصنع الشيء من العدم وإنما يجد عملا قائما له فيه مصلحة فيشجعه. يجد شارعا متحركا تقوده معارضة موحدة وراء زعيم ومطالب ديمقراطية وغالبا ما يقف معها، كما هو حاصل في مصر اليوم. غير أن معارضاتنا ممزقة غالبا لا تكاد تجتمع على شيء أكثر من البحث عن مد حبال الاتصال مع الدكتاتور سرا أو علنا مقابل كيد بعضها لبعض والبحث الناصب عن تجذير خلافاتها بدل البحث عما يجمعها، فأنى لها أن تجتمع على برنامج مشترك للتغيير وزعامة تقود الشارع بل هي أبعد من أن تثق في حركة الجماهير لأنها أقرب إلى الثقة في الدكتاتور وأنه وحده بيده الأسهم كلها.

 

ولك أن تلقي نظرة في عدد من أقطارنا على العلاقة بين الطرفين الرئيسيين في المعارضة: الإسلاميين والعلمانيين، فقد باءت بالفشل كل محاولات تشكيل جبهة واحدة للمعارضة يمكن أن تتجمع الجماهير حولها وتفرض على السلطة احترامها وتبعث برسالة إلى الخارج: ها هنا معارضة ديمقراطية موحدة حول برنامج وزعيم وهي تقود حركة الشارع صوب تغيير ديمقراطي. عندها فقط يمكن أن يوضع الغرب تحت محك الاختبار وتقام عليه الحجة. وقد لا يؤيد ولكن موقف حكوماته سيكون ضعيفا تحت ضغط قوى مجتمعاته المدنية.

 

عنف القاعدة:

 ومن الجهاد المعروض في الساحة الجهاد ضد القوى الدولية وأبرز جماعات هذا الصنف من الجهاد ما أعلن تحت مسمى "الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والنصارى" بزعامة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، والمعروفة بجماعة القاعدة التي تبنت سلسلة من العمليات ضد مصالح غربية وعربية اتسم بعضها بدقة التخطيط وإيقاع أشد الخسائر بالمصالح المستهدفة نسفا لسفارات وفنادق ومجمعات سكنية وقطارات في أنحاء شتى من العالم، من أشهرها استهداف رموز معروفة للعظمة الأمريكية مثل البرجين في نيويورك بما هزّ العالم هزا غير مسبوق. ومثّل هذا الأسلوب محطة تحول في سياسة الدولة الأعظم وما استتبع ذلك من تحول في جملة السياسات الدولية والخطط والمصالح والتحالفات وإعادة فرز للقوى والأفكار والقيم. وكان من النتائج المباشرة لهذه الأحداث:

 

1-وضع مشاريع الهيمنة الأمريكية التي كانت جاهزة، لا ينقصها غير المحفز، موضع التنفيذ.

2- سقوط دولتين من دول المسلمين في يد الأمريكان وتهديد دول أخرى كان يمكن أن تكون الآن قد نفذ فيها الوعيد لولا ما اندلع من مقاومة في العراق.

3- تصعيد الضغط الأمريكي والغربي وأدواته في العالم ضد الإسلام واستهدافه فكرا ومؤسسات ودولا.

4- محاصرة الأقليات المسلمة في العالم وبالخصوص في الغرب وتمكين الحكومات التي تضطهدها من فرصة إدراج حركات المقاومة ضمن قوائم الإرهاب مثل المقاومة في فلسطين والشيشان وكشمير والفلبين والتركستان.

5- تمدد القواعد الأمريكية في العالم بشكل غير مسبوق.

6- استطالة أمريكية على كل الدول وفرض التعاون الأمني معها ضد الجماعات الإسلامية تحت شعار الحرب الكونية على الإرهاب بما جعل لغة السلاح وصوت رجل الأمن يسودان العالم.

7- وأهم من ذلك تصاعد نفوذ أشرس قوى التعصب الديني اليميني المسيحي-الصهيوني وهيمنة جماعاته على مراكز القرار في الدولة الأعظم. ولقد كشفت الانتخابات الأمريكية ازدياد نفوذ تلك الجماعات شعبيا وفي مراكز القرار بما ينذر بمصائب أخرى.

8- صدور ترسانات من القوانين واللوائح القُطرية والدولية لا تزال تلتهم مكاسب البشرية في الحقوق والحريات التهاما.

9- توفر الفرصة لكل عدو للإسلام ولكل من له حساب مع طرف إسلامي للانتقام من الإسلام وأهله بعد أن شاهت صورة الإسلام وارتبطت وتراثه وكل منتسب إليه بوصمة الإرهاب، على أنقاض صفاته الأصلية دين العدل والرحمة والإحسان.

كل ذلك يكشف عما في قرار إعلان الجهاد ضد العالم، ضد كل مخالف في الملة من خطأ ديني فادح في تنزيل مبدأ الجهاد، ومن تفكير إستراتيجي عقيم مدمر، إذ إن الجهاد ليس بحال أداة لفرض الإسلام على البشرية، فذلك مخالف لمراد الله تعالى في الخلق "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم". فالاختلاف سنة إلهية ماضية إلى يوم القيامة وإنما الجهاد جعل لدفع العدوان عن الأمة: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}. فليس في الإسلام قتل عشوائي وإنما هناك قتال المقاتلين المعتدين.. ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه واضحة بينة.

 

قرار إعلان الجهاد على كل مخالف في الدين – رغم تراجعهم بعض الشيء أخيرا - خطأ إستراتيجي فادح ليس من شأنه غير تجميع الخصوم وتعبئة العالم ضد الإسلام والمسلمين، فهل في ذلك غير الحماقة المطلقة والرأي الخطير؟ وبأي مسوغ تستباح دماء أناس آمنين في ديارهم أو قطاراتهم نساء وأطفال وعمال لا شأن لهم بقتالنا، بل إن ملايين منهم خرجوا في مسيرات حاشدة ضد سياسات حكوماتهم بالاشتراك في العدوان علينا؟ وآخرين أعطوا الأمان في بلادنا سياحا وخبراء ودبلوماسيين؟

إنه محض العدوان والإجرام والإساءة للإسلام وتقديم الخدمة المجانية لأعدائه أن يضرموا النار حول قيمه ومؤسساته ودوله وأقلياته، هل من خدمة أكبر من ذلك لأعداء أعداء الإسلام من الصهاينة وحلفائهم وسائر القوى العنصرية في العالم؟

 

الخلاصة: 

والخلاصة أن العنف ظاهرة اجتماعية سياسية لم يخل منها دين أو أيديولوجية، وأشد العنف الذي تتلظى به البشرية اليوم هو ما تقوم به الدول العظمى والصغرى: عنف ضد البيئة وعنف اقتصادي ضد أرزاق الضعفاء وعنف ثقافي ضد هويات الشعوب وعنف عسكري احتلالا أو دعما للاحتلال وعنف سياسي دعما لأنظمة الفساد والاستبداد، فضلا عن عنف أتباعها تزييفا لإرادة الشعوب جهارا نهارا وتكميما للأفواه وملاحقات ومحاكمات تعسفية وممارسة منهجية للتعذيب ونهبا للأرزاق..

 إلا أنه فيما يتعلق بالعنف المنسوب للشعوب يظل الإسلام في أيامنا هو الأيديولوجية الرئيسية التي يمارس باسمها العنف كما كانت الماركسية والقومية بالأمس، باعتباره صوت الشعوب الضعيفة المكبوتة تبحث من ورائه عبر بعض جماعاته المتحمسة عن حل لمشكلاتها يخرجها من حالة الضعف والهوان. وهذا النوع من العنف ومثله الذي يمارس أداة للتغيير الداخلي ليس بحال دواء ولكنه مفاقمة للداء وهو جواب خاطئ على مشكل صحيح هو الظلم.. وما لم يقتنع الأمريكان وأتباعهم بأن الداء لا يعالج بالداء، وأن ردود أفعال الضعفاء حتى وإن كانت هوجاء على ظلم الكبار الأقوياء لا يمكن الإجهاز عليها إلا بالإجهاز على الأصل، وأن أساليبهم مهما تعددت ودقّت لن تفرض الاستسلام على ضحية لم يبق لديها ما تخسره إذا هي فجرت نفسها في جلادها واستراحت من حياة الذل، فلن تكون للعنف نهاية.

 

إن الحق أحق أن يتبع وإن الظلم حري أن يرفع عن الشعوب المستضعفة وإن كل الشعوب بما فيها الإسلامية جديرة بالحرية وبحكم نفسها بمن تختارهم وبالقيم التي ترتضيها، وإذا كان لأمريكا مصالح في العالم الإسلامي فلا ضمان للوصول إليها بشكل معقول ومستمر إلا من خلال الاعتراف بالشعوب والتعاون مع ممثليها الحقيقيين أيا كانوا وإتاحة الفرصة أمامهم إن لم تكن إعانتهم.

 

 

....................

 

#كلمة_حرة | الجزيرة نت | 1 سبتمبر 2005م