يتبنى رموز الحركة الإسلامية جوهر مفهوم المواطنة، الذى يقوم على أن الأمة في الدولة الإسلامية هي مصدر السلطات وهي المالكة للسيادة العليا بخصوص أمور الحكم، وأن هناك حزمة من الحريات السياسية التي يجب ضمانها لمواطني الدولة الإسلامية، مثل الحق في المشاركة في الحكم، والحق في الاجتماع وتكوين الروابط، وغيرها من الحقوق الأساسية التى تكفلها الشريعة الإسلامية، إلى غير ذلك، حتى بالنسبة لغير المسلمين.
وكان الإمام حسن البنا من هؤلاء الذين سعوا إلى طرح رؤية توحيدية مجمعة لأبناء الأمة ناهيك عن أبناء الوطن الواحد، لذا لم يشغل نفسه كثيراً بالقضايا الفقهية من نوعية تولى الأقباط الإمامة العظمى وغيرها من الأمور الجدلية.
البنا والمواطنة
المتتبع لجهود الإمام البنا يلمس حرصه على الوطن ووحدته بجميع مكوناته، وفي أكثر من موضع يؤكد الإمام البنا على الجامعة الإسلامية، باعتبارها السياج الكامل للوطن الإسلامي العام كما يجعل فكرة وحدة الأمة والعمل لإعادتها في رأس مناهجه.
وعند الرجوع إلى كتابات البنا، نلاحظ أن مفهوم المواطنة كما أوردناه آنفا لم يرد في كتابات البنا صريحًا، ولكن أشار إليه تحت مسمى الوطنية على اعتبارها مفهوما يقصد به الانتماء إلى الوطن، ويرجح أن السبب في ذلك هو أن المواطنة كمصطلح لم تكن شائعة الاستخدام في تلك الفترة، فالبنا كان يرى أن الإسلام اعتبر حب الوطن فريضة من الفرائض.. وعليه يمكن القول بأن المواطنة عند البنا تعنى أن الإنسان يحب وطنه ويدافع عنه إذا ما وقع عليه اعتداء .
الموقف من (الأقليات)
من خلال استقراء أفكار الإمام البنا بخصوص موقف غير المسلمين في الوطن المصري هل لهم حقوق المواطن وواجباته كاملة أم لا؟ نجد أنها كانت تأخذ حيزًا غير قليل من بياناته ورسائله، ما يشير إلى أنها كانت تمثل اهتماما له.
ففي أكثر من رسالة وخطاب يتناول الإمام البنا الموقف من الأقباط، ويشدد على أن الإسلام دين الوحدة ودين المساواة وأنه كفل هذه الروابط بين الجميع ماداموا متعاونين على الخير: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) فمن أين يأتي التفريق إذن؟.
وفي رسالة "نحو النور"، يذكر أن الإسلام يحمي الأقليات عن طريق: أنه قدس الوحدة الإنسانية العامة وقدس الوحدة الدينية العامة بأن فرض على المؤمنين به الإيمان بكل الرسالات السابقة، ثم قدس الوحدة الوطنية الخاصة من غير تعد ولا كبر، ويرى أن هذا (مزاج الإسلام المعتدل) لا يكون سببًا في تمزيق وحدة متصلة بل يكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط.
ويذكر أن الإسلام حدد بدقة من يحق للمسلمين مقاطعتهم وعدم الاتصال بهم وهم الذين يقاتلونهم في الدين ويخرجونهم من ديارهم ويظاهرون على إخراجهم، يقول: "فإن الإسلام الذى وضعه الحكيم الخبير الذى يعلم ماضى الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح الذى لا يحتمل لبسًا ولا غموضًا فى حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فهذا النص لم يشتمل على الحماية فقط، بل أوصى بالبر والإحسان إليهم" .
ويؤكد الإمام البنا نفس هذه الفكرة في رسالته للشباب، فيقول: "فيخطئ من يظن أن الإخوان دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة" ويستدل بأن "الإسلام عني أدق عناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان، وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم، وبإنصاف الذميين وحسن معاملتهم (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) فلا ندعو إلى فرقة عنصرية ولا إلى عصبية طائفية.. ثم يؤكد الإمام البنا المعني السابق للوطنية فيقرر "ولكننا إلى جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم في سبيلها على عقيدتنا ونهدر من أجلها مصالح المسلمين وإنما نشتريها بالحق والعدالة والإنصاف وكفى" .
وفي رسالة "مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي": يبين الإمام البنا موقف الأقلية غير المسلمة ذاتها من الإسلام وبالتالي من دعوة الإخوان, فالأقلية –كما يذكر الإمام البنا– من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة في كل تعاليم الإسلام وأحكامه، "وهذا التاريخ الطويل للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعًا –مسلمين وغير مسلمين- يكفينا مؤونة الإفاضة والإسراف، فإن من الجميل حقًا أن نسجل لهؤلاء المواطنين الكرام أنهم يقدرون هذه المعاني في كل المناسبات، ويعتبرون الإسلام معنى من معاني قوميتهم, وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم" .
ويمكن إجمال نظرة الإمام البنا والإخوان للأقباط في عاملين أساسيين هما:
1. الجانب العقائدي: وفيه التزام الإخوان بما جاء في القرآن الكريم والسنة من أن النصارى أرسل الله لهم سيدنا عيسى –عليه السلام– نبيًا ورسولا وأنزل معه الإنجيل، وهم أقرب للمسلمين من اليهود فقد قال الله فيهم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْبَانًا وأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) وهذا هو المفهوم العام الذي تربى عليه الإخوان وهو موجود في مختلف أدبياتهم.
2. الجانب المعاملاتي: وفيه اعتبر الإخوان أن الأقباط لهم كافة حقوق المواطنة؛ حيث إنهم جزء من نسيج الوطن، فهم شركاء في هذا الوطن، ولذلك جاءت علاقة الإخوان بالأقباط عمومًا علاقة طيبة كباقي فئات المجتمع، ولم يعكرها إلا تدخل بعض المغرضين الذين يكرهون الخير للبلاد، أو متعصبون ضد كل ما هو إسلامي يحكمهم في ذلك الهوى والحقد الشخصي، أو فئة فهمت الإسلام فهمًا خطئًا .