من الكتابات التأصيلية الحضارية التي صدرت في القرن العشرين, وتمتعت بحضور قوي في ساحات البحث والفكر الإسلاميين, كتاب "المرأة والعمل السياسي.. رؤية إسلامية", للباحثة هبة رؤوف عزت, والكتاب في أصله بحث علمي حصلت به الكاتبة على درجة الماجستير من جامعة القاهرة عام 1992.
وأصالة الكتاب الحضارية إنما تنشأ من هذين المتغيرين الرئيسين في عنوان الدراسة: أي المرأة والعمل السياسي من المنظور الإسلامي, وهو أحد الإشكالات التي طُرحت على الفكر الإسلامي في القرن العشرين, ومثلت هذه القضية إشكالية نظرًا للتراجع الحضاري الذي شهدته الأمة من ناحية وغياب الاجتهاد من ناحية أخرى, واعتبار المرأة موضوعًا للاختراق المعرفي الإسلامي والغزو الفكري من ناحية ثالثة.
وقد صدر الكتاب عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي عام 1995 في 311 صفحة، ونتناول الكتاب في عدة حلقات, تهتم الحلقة الأولى –الحالية- منه بتناول بنائية الكتاب والتعريف بمؤلفته, وفرضيات الكتاب ومحاور الكتاب.
المؤلفة:
هبة رؤوف عزت من مواليد القاهرة عام 1965، حصلت على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة مايو 1987، وماجستير العلوم السياسية من نفس الجامعة عام 1992 في موضوع "المرأة والعمل السياسي" – هذا الكتاب الذى نعرض له – ثم حصلت على الدكتوراه في موضوع "المواطنة دراسة في تطور المفهوم في الفكر الليبرالي" عام 2007.
أسهمت بشكل بارز في العمل الثقافي المهم بموقع "إسلام أون لاين" في بداية التسعينيات في القرن العشرين, وكان لها دور بارز في أنشطته المختلفة لاسيما ما يتعلق بالمرأة وقضاياها بوجه عام.
كما أن لها عدة مقالات ودراسات وبحوث في صحف ودوريات متعددة التزمت فيها تفعيل المنهجية الإسلامية، ومهتمة بمسألة المفاهيم, وفكرة تنزيل قيم الوحي في الواقع المعيش, ومهتمة كذلك بأفكار النهضة والمقاربة بين الأفكار والفلسفات والحديث عن عالمية القيم الإنسانية وطرح العديد من المسلمات الفكرية للمناقشة وإعادة النظر.
أسهمت في عدة مشروعات علمية منها: مشروع العلاقات الدولية في الإسلام (1988– 1995) الصادر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ومشروع التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (1992 – 1993)، وباحث مشارك بموسوعة العلوم السياسية / جامعة الكويت (1995) بخمسة مداخل حول الفكر الإسلامي, ومن إنتاجها العلمي أيضاً: كتاب المرأة والدين والأخلاق "مناظرة بينها وبين نوال السعداوي".
بنائية الكتاب:
الكتاب في الأساس دراسة علمية للمؤلفة – كما ذكرنا سابقاً – لذا فهو يتبع الخطوات العلمية في تناول الموضوع المطروح "المرأة والعمل السياسي في المنظور الإسلامي", وتحديد الإطار المعرفي والمبادئ التي تحكم هذا التصور وتميزه.
وتبحث هذه الدراسة في موضوع العمل السياسي للمرأة في التصور الإسلامي فتحدد الإطار المعرفي والمبادئ التي تحكم هذا التصور وتميزه، وتتناول بالتحليل الرؤية الإسلامية لعمل المرأة السياسي في دائرتين: دائرة الأمة التي تشارك في فعالياتها السياسية المرأة بحكم كونها فردًا من أفرادها، ودائرة الأسرة التي تقوم في الرؤية الإسلامية بوظائف سياسية وتتحمل المرأة في إطارها مسؤوليات عديدة، وتبين الدراسة انعكاس الأوضاع والظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية على هذا التصور.
وتهدف الدراسة إلى بناء تصور كلى ونموذجي معرفي للعمل السياسي للمرأة من منظور إسلامي يحدد الأبعاد المختلفة للموضوع وعناصره والعلاقات بينهما، وهو نموذج – كما تشير المؤلفة – يتسم بسمتين:
الأولى: الربط بين ثلاثة مجالات، هي علم السياسة ودراسات المرأة والدراسات الإسلامية، فهو يهدف إلى صياغة خطاب إسلامي يحتوي هذه المجالات بشكل نقدي، فهو نموذج تركيبي.
الثانية: إنه وإن كان يقوم بتحليل الدراسات المختلفة في هذه المجالات الثلاثة ونقدها ثم استنباط الرؤية الإسلامية، فإنه ليس مجرد تجريد لعناصر تناول هذه المجالات للقضية، بل يضيف عناصر وأبعاداً جديدة تغيب عن التحليل السائد، فهو نموذج تجديدي.
وتشير –أيضًا- إلى أن منهاجية الدراسة حاولت الالتزام بخصائص ثلاث هي:
الأصولية: وتعني أصولية المنهج في الدراسة السياسية وقيام هذا المنهج على ربط العقل بالوحي، قرآناً وسنة، أي البناء على الأصول التي تقوم عليها الشريعة.
الاستقامة: وهي تعبير عن الوسطية الإسلامية، وهي كمفهوم ترتبط في الاستخدام القرآني بمفاهيم العدل والإيمان والأمانة والشهادة، كما أنها في اللغة ترتبط بمفهوم "القيم" حيث يشتركان في الجذر اللغوي.
الشمول: لا تقف الدراسة عند حدود تناول مسؤولية المرأة وطبيعة حركتها في الدراسات النظرية السابقة، بل تعيد النظر في بعض المسلمات السائدة في هذه الدراسات، كالبيعة والولايات والشورى والجهاد، وتبلور صياغة جديدة لها.
فرضيات الدراسة:
محور الدراسة هو المفاهيم والمسلمات والنظريات سواء في ارتباط بعضها ببعض أو في ارتباطها بالواقع من حيث النشأة والتأثير وتسعي الدراسة إلى إثبات مقولتين:
الأولى: إن الرؤية الإسلامية لا تعرف فكرة "تقسيم العمل الاجتماعي" بمعنى اختصاص المرأة بالأدوار الاجتماعية والرجل بالأدوار السياسية، بل تتأسس مسؤولية أفراد الأمة، رجالاً ونساءً، على تحقيق مقاصد الشرع، ويدور التكليف مع القدرة لا مع النوع، فالمرأة تتحمل في الرؤية الإسلامية مسؤوليات سياسية بحكم كونها فرداً من أفراد الأمة.
الثانية: إن هذه الرؤية لا تعرف أيضاً فكرة "تقسيم العمل المؤسسي" فالمؤسسات المختلفة في النظام الإسلامي ينظر إليها كوسيلة وليس كغاية في حد ذاتها، والمؤسسات ترتبط بالغاية أو المقصد من وجودها وبالتالي تدور معه وجوداً وعدماً، ويؤدي تخلف المؤسسة عن تحقيق مقاصدها إلى تحمل المؤسسات الأخرى لهذه المسؤولة، وعلى ذلك فالوحدات الاجتماعية تؤدي وظائف سياسية، والمسؤولية ترتبط بالفاعلية لا بالمؤسسة، مما يؤدي إلى تحمل المرأة مسؤوليات سياسية بحكم انتمائها الاجتماعي لهذه الوحدات.
أقسام الكتاب:
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول وخاتمة.
الفصل الأول:
ويتناول الإطار المعرفي للرؤية الإسلامية للمرأة والعمل السياسي، فيعرض للمفاهيم الكلية التي تحكم هذه الرؤية ويحدد أبعادها ويبرز تميزها عن المفاهيم الكلية في المنظومة المعرفية الغربية، ثم يتطرق للمفاهيم التحليلية التي ترتبط بموضوع الدراسة ويحلل هذه المفاهيم ويوضح المفهوم الذي يحكم الرؤية الإسلامية في هذا الصدد والذي تعتمده الدراسة.
الفصل الثاني:
ويتناول حركة المرأة السياسية في دائرة الأمة فيوضح محددات هذه الحركة مبيناً أهلية المرأة للعمل السياسي وأهمية الوعي السياسي وضرورة إدراك دور السياق الاجتماعي وأثره، ثم يستعرض المجالات المختلفة لهذه الحركة ويتعرض بالتحليل لانعكاس الواقع الحضاري الذي تعيشه الأمة على ممارسة المرأة مسؤوليتها السياسة.
الفصل الثالث:
ويتناول الأبعاد السياسية للأسرة كوحدة اجتماعية في النظام الإسلامي فيبرز أهميتها ويقارن وضعها في الفكر والواقع الإسلامي بهما في الفكر والواقع الغربي ويتعرض لوظيفتها في التنشئة السياسية خاصة في ظل أزمة التنشئة التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية، ويبحث مسؤوليتها في التغير السياسي، الثقافي والاجتماعي.
ونشير في الحلقات القادمة بإذن الله إلى أهم الإشكالات والمعالجات الفكرية التي قدمها الكتاب فيما يتعلق بقضية المرأة والعمل السياسي في المجتمع الإسلامي المعاصر.